الرد على الشيخ دمشقية (٣)

يقول الشيخ دمشقية في الفيديو الذي يرد فيه على ترحيبي: (ذلك أن ما يسميه هو (يعنيني أنا عبدالناصر)الاستغاثة هو يسميها توسلا..هذا عمر رضي الله عنه أغلق باب التوسل فقال:كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنيك..كنااا..أغلق الباب..ليش؟ لأن التوسل كان بدعاء حي حاضر عليه الصلاة والسلام..فهذان الشرطان لم يعودا متوفرين…
هذا الرجل يأتي ويقول هذه مسألة فقهية…شو مسألة فقهية!! دعاء غير الله مسألة فقهية والله عز وجل يقول (ولا تدعوا مع الله أحدا)..هذه مسألة خلافية…
طيب..لنقل مسألة خلافية..ماذا فعل عمر رضي الله عنه أغلق باب التوسل…هل اختلف معه أحد من الصحابة؟..لا..هذه مسألة إجماعية سلفية…يجيء هذا الشيخ الناشئ ويجعلها مسألة خلافية فقهية..هذا كذب..)انتهى

أقول(عبدالناصر): سأضيء على بعض ما ذكره الشيخ دمشقية وأبيّن وهمه فيه وخطأه….في نقاط:

١-كون الاستغاثة هي التوسل أو مجاز التوسل…هو قول علمائنا.. وقد بيّن ذلك شيخ الإسلام التقي السبكي في كتابه شفاء السقام ص 187 ..فليراجع…وليس هو دعوى مني كما زعم الشيخ دمشقية..بيانه بإيجاز:

الاستغاثة هي طلب الغوث..
وطلب الغوث من النبي صلى الله عليه وسلم ..هو طلبه منه بالدعاء ونحوه..
كقول القائل: يا محمد استغثت الله بك..أو سألت الله بك…أو إني توجهت بك إلى ربي (كما ورد في حديث الأعمى)..وكل ذلك بمعنى واحد يراد به التوسل إلى الله بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته بدعائه أو بجاهه أو بمكانته أو بأعماله الصالحة ليستجيب الله للسائل فيقضي الله حاجته..

٢- كون باب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته أغلق باستسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما بحضرة الصحابة فكان إجماعا..غير مسلم..من وجوه:

الأول: ترك عمر رضي الله عنه الاستسقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم والاستسقاء بالعباس رضي الله عنه..لا يلزم منه المنع..بل يحتمل أنه فعل المفضول وترك الأفضل..فيكون الإجماع على ذلك..

الثاني: لو سلمنا أن الترك هنا يفيد المنع أي التحريم…لا يلزم منه أنه شرك..فليس كل حرام شركا..وإن كان الشرك من أكبر المحرمات..

الثالث: لو سلمنا تنزلا أن الترك يفيد التحريم…فإنه ورد في خصوص صلاة الاستسقاء التي لها هيئة وكيفية معينة..وليس في عموم الدعاء..فنفي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته في الاستسقاء لا يلزم منه نفيه في عموم الدعاء..فنفي الخاص لا يلزم منه نفي العام..والتعميم في موضع التخصيص تضليل..

الرابع: ورد حديث صحيح صححه أمير المؤمنين في الحديث ابن حجر العسقلاني..(ولا عبرة بتضعيف غيره ممن هو أقل منه..فكيف بمن لا باع له بعلم الحديث!!).. أن مالك الدار الذي هو بلال بن الحارث المزني طلب استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره بعد موته…بقوله(يا رسول الله استسق الله لأمتك فقد هلكوا)…وأخبر عمر رضي الله عنه بذلك..فلم ينكر عليه..ولم يقل له إن توسلك شرك..
فدل ذلك على أن الإجماع الذي وقع باستسقاء بالعباس رضي الله عنه لا يفيد منع التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته…أكثر ما يفيده أن صلاة الاستسقاء بكيفيتها المخصوصة تكون بالتوسل بحي صالح يعاني القحط فيكون دعاؤه دعاء المضطر..امتثالا لقوله تعالى(أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)

خامسا: عمر استسقى بالعباس رضي الله عنهما لا لطلب دعائه لأنه رجل صالح..فقد كان في الصحابة من هو أفضل منه كعثمان وعلي وباقي المبشرين بالجنة رضوان الله عن الصحابة أجمعين…فهؤلاء أولى من العباس من حيث الأفضلية..وإنما توسل بالعباس لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم ولمكانته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم..وهذا بيّنه كلام العباس رضي الله عنه نفسه الذي أخرجه الزبير بن بكار في الأنساب بإسناده أن العباس لما استسقى به عمر قال( اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب وتواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث..)انتهى

فظهر أن التوسل باستسقاء العباس رضي الله عنه ليس المراد منه دعاء العباس نفسه بل المراد التقرب إلى الله بقرابة العباس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانته عند رسول الله صلى الله عليه..فيلزم منه أن التوسل بالجاه والمكانة جائز….والجاه والمكانة معان باقية عند الله ..لا تزول بموت صاحبها..
فإن جاز التوسل بها في حياة صاحبها جاز التوسل بها بعد موته..لوجودها في الحالين..

فهذه موانع ونواقض واعتراضات تبين أن دعوى دمشقية بوقوع الإجماع على منع التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته برواية الاستسقاء بالعباس رضي الله عنه وأنه أغلق بابه… لا تصح ..

٣-جعل دمشقية التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ليس مسألة فقهية بل يدخل في قوله تعالى(ولا تدعوا مع الله أحدا)..يدل على أشياء:
الأول: جهله بكونها من المسائل الفقهية..وقد بينت ذلك بوضوح في ردي الثاني عليه..
الثاني: مقارنته التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته بالدعاء مع الله باستدلاله بالآية..تكفير لأكثر الأمة وعامة أعلامها الذين قالوا بذلك..

الثالث:أنه خلط بين الدعاء مع الله الوارد في الآية ..وبين دعاء الله بوسيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته…بيان خلطه:

الدعاء مع الله هو دعاء مع الله مما يعبد من دونه….
فالقرآن حكى فيه أمرين:
-الشرك مع الله بمعبود دونه…
-ودعاء ذلك المعبود مع الله…

قال القرطبي في تفسيره:(قوله تعالى : فلا تدعوا مع الله أحدا.. هذا توبيخ للمشركين في دعائهم مع الله غيره في المسجد الحرام .

وقال مجاهد : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله..

فأمر الله نبيه والمؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة إذا دخلوا المساجد كلها . يقول : فلا تشركوا فيها صنما وغيره مما يعبد .)..انتهى

وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته الذي هو دعاء الله بوسيلة..هو دعاء الله وحده لا شريك له بوسيلة صاحب الرسالة الذي هو نبي هذه الأمة…وليس هو معبودا مع الله عند أحد من المسلمين…

فالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يتحقق فيه الأمران اللذان حكاهما القرآن في الدعاء مع الله..
-فليس المتوسل به معبودا آخر مع الله..بل هو نبي هذه الامة..
-وليس التوسل هو دعاء معبود آخر مع الله..بل هو دعاء الله وحده بوسيلة شفيع هذه الأمة صلى الله عليه وسلم..

فمقارنة عبدالرحمن دمشقية التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته بدعاء المشركين معبودا آخر مع الله..قياس باطل..
وهو إنزال آيات المشركين على المؤمنين…وأرى فيه سوء أدب مع حضرة شفيع هذه الأمة صلى الله عليه وسلم….

هدانا وهداه الله إلى سواء السبيل..

#أخوكم_عبدالناصر_حدارة..

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.