عقيدة الإمام النووي رحمه الله من أقواله

عقيدة الإمام النووي رحمه الله من أقواله

***

ما زال بعض المخالفين لمذهب الأشاعرة يكابرون بنفي أشعرية الإمام النووي، متعلقين بأوهام عارية عن الحجة والبرهان.

إذْ الإنصاف يفرض عليهم أن يبينوا الأصول التي خالف فيها الإمام النووي المذهب الذي عليه شيوخه، والذي يصرح هو بالانتماء إليه.

وكنت قد كتبت شيئا مختصرا في ذلك، وأزيده الآن بيانا وتوضيحاً.

أولاً:

الإمام الذهبي الخبير بالرجال، والذي عُرفَ بمخالفته للأشعرية يقرر أشعرية الإمام النووي، قال في كتابه تاريخ الإسلام (15/ 332): ((قلت: ولا يحتمل كتابنا أكثر ممّا ذكرنا من سيرة هَذَا السّيّد رحمة اللّه عليه، وكان مذهبه فِي الصّفات السّمعية السّكوت وإمرارها كما جاءت، وربّما تأوَّل قليلًا فِي شرح مسلم. والنووي رجل أشعري العقيدة معروف بذلك، يبدع من خالفه ويبالغ في التغليظ عليه)). وهذه العبارة بخط الذهبي في الطبعة التي أخرجها أستاذ التحقيق والمختص بالإمام الذهبي الدكتور بشار عواد.

ثانياً:

قال الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات (2/ 170) في ترجمة الإمام الكبير أبي إسحاق الإسفراينى: (كان الأستاذ أحد الثلاثة الذين اجتمعوا فى عصر واحد على نصر مذهب الحديث والسنة فى المسائل الكلامية، القائمين بنصرة مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى، وهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراينى، والقاضى أبو بكر الباقلانى، والإمام أبو بكر بن فورك).

ومعلوم أن هؤلاء أئمة الأشعرية، ومسلكهم في التأويل، وكتب في نُـصْرَة مذهب أهل السنة الأشاعرة واضح جلي.

ثالثا:

يذكر مذهب الأشاعرة ويقول عنهم (أهل الحق)، ويقرر ما قالوه في إثبات الرؤية، وينفي الجهة التي يقول بها ابن تيمية ومن تبعه، فهل يمكن أن يختار النووي لنفسه طريقاً غير طريق أهل الحق، فقد قال في شرح صحيح مسلم (3/ 15): (ثم مذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك لكن جرت العادة في رؤية بعضنا بعضا بوجود ذلك على جهة الاتفاق لا على سبيل الاشتراط، وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بدلائله الجلية ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة تعالى عن ذلك بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة).

رابعاً:

لفظ (أصحابنا) المراد بها مذهبه الذي ينتمي إليه، فإذا قال أصحابنا فالمراد به في الفقه (الشافعية) وإذا قال (أصحابنا المتكلمين) في العقيدة فيريد الأشاعرة، وإليك النص، قال في شرح صحيح مسلم (1/ 148): (قال المحققون من أصحابنا المتكلمين نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته، وهي الأعمال ونقصانها قالوا وفي هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة وأقاويل السلف وبين أصل وضعه في اللغة وما عليه المتكلمون وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهرا حسنا فالأظهر والله أعلم أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة).

رابعاً:

قرر مذهب جماهير الأشعرية أن إيمان الجازم القاطع بإيمانه لا عن برهان ودليل صحيح، وذكر الخلاف الموجود داخل المدرسة الأشعرية في إيمان المقلد، ورجح قول الجمهور، قال في شرح صحيح مسلم (1/ 210): (وفيه دلالة ظاهرة لمذهب المحققين والجماهير من السلف والخلف أن الإنسان إذا اعتقد دين الإسلام اعتقادا جازما لا تردد فيه كفاه ذلك وهو مؤمن من الموحدين ولا يجب عليه تعلم أدلة المتكلمين ومعرفة الله تعالى بها خلافا لمن أوجب ذلك وجعله شرطا في كونه من أهل القبلة وزعم أنه لا يكون له حكم المسلمين إلا به وهذا المذهب هو قول كثير من المعتزلة وبعض أصحابنا المتكلمين وهو خطأ ظاهر فإن المراد التصديق الجازم وقد حصل).

خامساً:

قرر أن العقائد لا تبنى على خبر الآحاد، وأن دعاء الله باسم من أسمائه إنما هو من العمل الذي يكفي فيه خبر الآحاد، فقال في شرح صحيح مسلم (2/ 91): (وقد اختلف أهل السنة في تسمية الله تعالى ووصفه من أوصاف الكمال والجلال والمدح بما لم يرد به الشرع ولا منعه فأجازه طائفة ومنعه آخرون إلا أن يرد به شرع مقطوع به من نص كتاب الله أو سنة متواترة أو إجماع على إطلاقه فإن ورد خبر واحد فقد اختلفوا فيه فأجازه طائفة وقالوا الدعاء به والثناء من باب العمل وذلك جائز بخبر الواحد ومنعه آخرون لكونه راجعا إلى اعتقاد ما يجوز أو يستحيل على الله تعالى وطريق هذا القطع قال القاضي والصواب جوازه لاشتماله على العمل ولقوله الله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها والله أعلم).

وقال في نفس الأمر أيضاً كما في شرح صحيح مسلم (1/ 20): (وهذا الذي ذكره الشيخ في هذه المواضع خلاف ما قاله المحققون والاكثرون فانهم قالوا أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة انما تفيد الظن فإنها آحاد والآحاد انما تفيد الظن على ما تقرر ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك وتلقى الأمة بالقبول انما أفادنا وجوب العمل بما فيهما وهذا متفق عليه فان أخبار الآحاد التي في غيرهما يجب العمل بها اذا صحت أسانيدها ولا تفيد الا الظن فكذا الصحيحان وانما يفترق الصحيحان وغيرهما من الكتب في كون ما فيهما صحيحا لا يحتاج إلى النظر فيه بل يجب العمل به مطلقا وما كان في غيرهم لا يعمل به حتى ينظر وتوجد فيه شروط الصحيح).

سادساً:

قرر ما يقرره الأشاعرة خلافا للمعتزلة في أنه لا حكم قبل ورود الشرع، فقال في شرح صحيح مسلم (9/ 101): (لا حكم قبل ورود الشرع وهذا هو الصحيح عند محققي الأصوليين لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).

سابعاً:

قرر في مسألة العلو ما قاله الأشاعرة، ومسألة العلو هي من أهم القضايا التي يتبناها السلفيون، ويعتبرون من نفى العلو الحسي معطلا جهميا.

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (5/ 24): (قوله صلى الله عليه وسلم أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان تقدم ذكرهما مرات في كتاب الإيمان أحدهما الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقات والثاني تأويله بما يليق به فمن قال بهذا قال كان المراد امتحانها هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصرا في جهة الكعبة بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم فلما قالت في السماء علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان قال القاضي عياض لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم فمن قال بإثبات جهة فوق من غير تحديد ولا تكييف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين تأول في السماء أي على السماء ومن قال من دهماء النظار والمتكلمين وأصحاب التنزيه بنفي الحد واستحالة الجهة في حقه سبحانه وتعالى تأولوها تأويلات بحسب مقتضاها وذكر نحو ما سبق قال ويا ليت شعري ما الذي جمع أهل السنة والحق كلهم على وجوب الإمساك عن الفكر في الذات كما أمروا وسكتوا لحيرة العقل واتفقوا على تحريم التكييف والتشكيل وأن ذلك من وقوفهم وإمساكهم غير شاك في الوجود والموجود وغير قادح في التوحيد بل هو حقيقته ثم تسامح بعضهم بإثبات الجهة خاشيا من مثل هذا التسامح وهل بين التكييف وإثبات الجهات فرق لكن إطلاق ما أطلقه الشرع من أنه القاهر فوق عباده وأنه استوى على العرش مع التمسك بالآية الجامعة للتنزيه الكلي الذي لا يصح في المعقول غيره وهو قوله تعالى ليس كمثله شيء عصمة لمن وفقه الله تعالى وهذا كلام القاضي رحمه الله تعالى).

فنفى الجهة والتحيز والتجسيم.

ثامناً:

تقريره للتأويل في حديث (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)، قال في شرح صحيح مسلم (7/ 120): (قوله صلى الله عليه وسلم (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) قال القاضي إضافة الظل إلى الله تعالى إضافة ملك وكل ظل فهو لله وملكه وخلقه وسلطانه والمراد هنا ظل العرش كما جاء في حديث آخر مبينا والمراد يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين ودنت منهم الشمس واشتد عليهم حرها وأخذهم العرق ولا ظل هناك لشيء إلا للعرش، وقد يراد به هنا ظل الجنة وهو نعيمها والكون فيها كما قال تعالى وندخلهم ظلا ظليلا قال القاضي وقال بن دينار المراد بالظل هنا الكرامة والكنف والكف من المكاره في ذلك الموقف قال وليس المراد ظل الشمس قال القاضي وما قاله معلوم في اللسان يقال فلان في ظل فلان أي في كنفه وحمايته قال وهذا أولى الأقوال وتكون إضافته إلى العرش لأنه مكان التقريب والكرامة وإلا فالشمس وسائر العالم تحت العرش وفي ظله).

تاسعاً:

قرر في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه نفس الخلاف الموجود داخل المدرسة الأشعرية، ولا تغفل عن قوله في النص التالي: ((قال المحققون من أصحابنا المتكلمين))، ولم يلتفت لكلام غيرهم، قال في شرح صحيح مسلم (1/ 148): (قال المحققون من أصحابنا المتكلمين نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته وهي الأعمال ونقصانها قالوا وفي هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة وأقاويل السلف وبين أصل وضعه في اللغة وما عليه المتكلمون وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهرا حسنا فالأظهر والله أعلم أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة).

عاشراً:

تأويله للضحك بالرضا والمحبة، وهو عين ما قاله السادة الأشاعرة، فقال في شرح صحيح مسلم (3/ 24): (قوله فلا يزال يدعو الله تعالى حتى يضحك الله تعالى منه قال العلماء ضحك الله تعالى منه هو رضاه بفعل عبده ومحبته إياه وإظهار نعمته عليه وإيجابها عليه والله أعلم).

 

وقال في شرح صحيح مسلم أيضاً (13/ 36): (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله فيستشهد) قال القاضي الضحك هنا استعارة في حق الله تعالى لأنه لا يجوز عليه سبحانه الضحك المعروف في حقنا لأنه إنما يصح من الأجسام وممن يجوز عليه تغير الحالات والله تعالى منزه عن ذلك وإنما المراد به الرضا بفعلهما والثواب عليه وحمد فعلهما ومحبته وتلقي رسل الله لهما بذلك لأن الضحك من أحدنا إنما يكون عند موافقته ما يرضاه وسروره وبره لمن يلقاه قال ويحتمل أن يكون المراد هنا ضحك ملائكة الله تعالى الذين يوجههم لقبض روحه وإدخاله الجنة كما يقال قتل السلطان فلانا أي أمر بقتله).

الحادي عشر:

تأويله للرضا إما بصفة ذات ويكون المقصود الإرادة، أو صفة فعل ويكون المقصود الإحسان، فقال في شرح صحيح مسلم (13/ 48): (والرضى من الله تعالى إفاضة الخير والإحسان والرحمة فيكون من صفات الأفعال وهو أيضا بمعنى إرادته فيكون من صفات الذات).

الثاني عشر:

تأويله لـ (الوجه) و (الصورة) و (النور)، ونفى في هذا النص التالي (الجسم) و (الحد)، فقال في شرح صحيح مسلم (3/ 13): (وأما قوله صلى الله عليه وسلم (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) فالسبحات بضم السين والباء ورفع التاء في آخره وهي جمع سبحة قال صاحب العين والهروي وجميع الشارحين للحديث من اللغويين والمحدثين معنى سبحات وجهه نوره وجلاله وبهاؤه وأما الحجاب فأصله في اللغة المنع والستر وحقيقة الحجاب إنما تكون للأجسام المحدودة والله تعالى منزه عن الجسم والحد والمراد هنا المانع من رؤيته وسمي ذلك المانع نورا أو نارا لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة لشعاعهما والمراد بالوجه الذات والمراد بما انتهى إليه بصره من خلقه جميع المخلوقات لأن بصره سبحانه وتعالى محيط بجميع الكائنات).

الثالث عشر:

تأويله لـ (النفس)، ونقل في مسألة من مسائل العقائد مقراً قابلاً لكلام الإمام المازي المالكي الأشعري، قال في شرح صحيح مسلم (17/ 2): (قوله تعالى إن ذ كرني في نفسه ذكرته في نفسي قال المازري النفس تطلق في اللغة على معان منها الدم ومنها نفس الحيوان وهما مستحيلان في حق الله تعالى ومنها الذات والله تعالى له ذات حقيقة وهو المراد بقوله تعالى في نفسي ومنها الغيب وهو أحد الأقوال في قوله تعالى تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما فى نفسك أي ما في غيبي فيجوز أن يكون أيضا مراد الحديث أي إذا ذكرني خاليا أثابه الله وجازاه عما عمل بما لا يطلع عليه أحد).

الرابع عشر:

وفي هذا النص بيان من الإمام النووي لمذهب أهل السنة الذي يرتضيه ويعتقده، وهو التفويض أو التأويل، وأما التفسير بالحقيقة والظاهر فهو عند الإمام النووي تفسير المجسمة والمشبهة.

فقال في شرح صحيح مسلم (17/ 133): (ثم قال والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم فيما ورد في هذه الأحاديث من مشكل ونحن نؤمن بالله تعالى وصفاته ولا نشبه شيئا به ولا نشبهه بشيء ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه فهو حق وصدق فما أدركنا علمه فبفضل الله تعالى وما خفي علينا آمنا به ووكلنا علمه إليه سبحانه وتعالى، وحملنا لفظه على ما احتمل في لسان العرب الذي خوطبنا به، ولم نقطع على أحد معنييه بعد تنزيهه سبحانه عن ظاهره الذي لا يليق به سبحانه وتعالى وبالله التوفيق).

الخامس عشر:

تأويله لـ (اليد)، وبيانه أيضا للمنهج الذي يرضاه ويعتقد أنه الحق، فقال في شرح صحيح مسلم (17/ 135): (وقد سبق الكلام في اليد في حق الله تعالى وتأويلها قريبا مع القطع باستحالة الجارحة ليس كمثله شيء).

وقال في شرح صحيح مسلم (3/ 55): (قوله: “في آدم خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه” هو من باب إضافة التشريف).

السادس عشر:

تأويله لوصف الله بالنور، ونقله لكلام القاضي عياض المالكي الأشعري مقراً له وراضيا به، وما كان الإمام النووي ليحقق في مسائل الوضوء ويتبع أو ينقل في العقائد ما لا يقتنع به، قال في شرح صحيح مسلم (3/ 12)،: (قال القاضي عياض رحمه الله هذه الرواية لم تقع الينا ولا رأيتها في شئ من الأصول ومن المستحيل أن تكون ذات الله تعالى نورا إذ النور من جملة الأجسام والله سبحانه وتعالى يجل عن ذلك هذا مذهب جميع أئمة المسلمين ومعنى قوله تعالى الله نور السماوات والارض وما جاء في الأحاديث من تسميته سبحانه وتعالى بالنور معناه ذو نورهما وخالقه وقيل هادى أهل السماوات والأرض وقيل منور قلوب عباده المومنين وقيل معناه ذو البهجة والضياء والجمال والله أعلم).

السابع عشر:

قوله في الروح قول الأشاعرة، وسماهم في النص التالي (أصحابنا المتكلمين)، قال في شرح صحيح مسلم (6/ 223): (وهذا الحديث دليل للتذكير وفيه دليل لمذهب أصحابنا المتكلمين ومن وافقهم أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن وتذهب الحياة من الجسد بذهابها وليس عرضا كما قاله آخرون).

الثامن عشر:

يقرر في الكرامات ما يقرره السادة الأشاعرة، ويسميهم (أصحابنا المتكلمين)، فقال في شرح صحيح مسلم (16/ 108): (ومنها إثبات كرامات الأولياء وهو مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة وفيه أن كرامات الأولياء قد تقع باختيارهم وطلبهم وهذا هو الصحيح عند أصحابنا المتكلمين ومنهم من قال لا تقع باختيارهم وطلبهم).

التاسع عشر:

يقرر في الرؤية ما يقرره السادة الأشاعرة، وينفي المقابلة والجهة وغيرهما، فقال في شرح صحيح مسلم (3/ 15): (ثم مذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك لكن جرت العادة في رؤية بعضنا بعضا بوجود ذلك على جهة الاتفاق لا على سبيل الاشتراط وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بدلائله الجلية ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة تعالى عن ذلك بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة والله أعلم).

العشرون:

يقرر في هذا النص أن مذهب التفويض في المعنى، والتأويل وينسبه لبعض السلف، وينفي في هذا النص التالي التجسيم والانتقال والتحيز والجهة، فقال في شرح صحيح مسلم (3/ 19): (اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين أحدهما وهو مذهب معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناها بل يقولون يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شيء وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوق وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين واختاره جماعة من محققيهم وهو أسلم والقول الثاني وهو مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على مايليق بها على حسب مواقعها وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله بأن يكون عارفا بلسان العرب وقواعد الأصول والفروع ذا رياضة في العلم).

الواحد والعشرون:

يقرر التفويض والتأويل، وينفي النزول الحسي، ويؤله بنزول الرحمة، فقال في شرح صحيح مسلم (6/ 36): (قوله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يدعوني فأستجيب له هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق إيضاحهما في كتاب الإيمان ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق والثاني مذهب أكثرالمتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما تأويل مالك بن أنس وغيره معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره.

والثاني أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف والله أعلم).

الثاني والعشرون:

يؤول قوله (يمين الرحمن)، ويقرر التفويض والتأويل، وينفي المعنى الظاهر، قال في شرح صحيح مسلم (12/ 211): (أما قوله صلى الله عليه وسلم عن يمين الرحمن فهو من أحاديث الصفات وقد سبق في أول هذا الشرح بيان اختلاف العلماء فيها وأن منهم من قال نؤمن بها ولا نتكلم في تأويله ولا نعرف معناه لكن نعتقد أن ظاهرها غير مراد وأن لها معنى يليق بالله تعالى وهذا مذهب جماهير السلف وطوائف من المتكلمين والثاني أنها تؤول على ما يليق بها وهذا قول أكثر المتكلمين وعلى هذا قال القاضي عياض رضي الله عنه المراد بكونهم عن اليمين الحالة الحسنة والمنزلة الرفيعة قال قال بن عرفة يقال أتاه عن يمينه إذا جاءه من الجهة المحمودة والعرب تنسب الفعل المحمود والإحسان إلى اليمين وضده إلى اليسار قالوا واليمين مأخوذة من اليمن وأما قوله صلى الله عليه وسلم وكلتا يديه يمين فتنبيه على أنه ليس المراد باليمين جارحة تعالى الله عن ذلك فإنها مستحيلة في حقه سبحانه وتعالى).

الثالث والعشرون:

ينفي (الصورة)، ويقرر بأن اللفظ ليس على ظاهره، فقال في شرح صحيح مسلم (16/ 166): ((فإن الله خلق آدم على صورته) فهو من أحاديث الصفات وقد سبق في كتاب الإيمان بيان حكمها واضحا ومبسوطا وأن من العلماء من يمسك عن تأويلها ويقول نؤمن بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد ولها معنى يليق بها وهذا مذهب جمهور السلف وهو أحوط وأسلم والثاني أنها تتأول على حسب ما يليق بتنزيه الله تعالى وأنه ليس كمثله شيء).

الرابع والعشرون:

تأويله لــ (القدم)، وتقريره أنه لابد من صرفه عن ظاهره لقيام الدليل القطعي العقلي على استحالة الجارحة على الله تعالى، قال في شرح صحيح مسلم (17/ 182): (فيضع قدمه عليها هذا الحديث من مشاهير أحاديث الصفات وقد سبق مرات بيان اختلاف العلماء فيها على مذهبين أحدهما وهو قول جمهور السلف وطائفة من المتكلمين أنه لايتكلم في تأويلها بل نؤمن أنها حق على ما أراد الله ولها معنى يليق بها وظاهرها غير مراد.

والثاني وهو قول جمهور المتكلمين أنها تتأول بحسب ما يليق بها فعلى هذا اختلفوا في تأويل هذا الحديث فقيل المراد بالقدم هنا المتقدم وهو شائع في اللغة ومعناه حتى يضع الله تعالى فيها من قدمه لها من أهل العذاب قال المازري والقاضي هذا تأويل النضر بن شميل ونحوه عن بن الأعرابي الثاني أن المراد قدم بعض المخلوقين فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم الثالث أنه يحتمل أن في المخلوقات ما يسمى بهذه التسمية وأما الرواية التي فيها يضع الله فيها رجله فقد زعم الإمام أبو بكر بن فورك أنها غير ثابتة عند أهل النقل ولكن قد رواها مسلم وغيره فهي صحيحة وتأويلها كما سبق في القدم ويجوز أيضا أن يراد بالرجل الجماعة من الناس كما يقال رجل من جراد أي قطعة منه قال القاضي أظهر التأويلات أنهم قوم استحقوها وخلقوا لها قالوا ولابد من صرفه عن ظاهره لقيام الدليل القطعي العقلي على استحالة الجارحة على الله تعالى).

الخامس والعشرون:

تأويله لـ (الساق)، قال في شرح صحيح مسلم (3/ 27): (قوله صلى الله عليه وسلم (فيكشف عن ساق) ضبط يكشف بفتح الياء وضمها وهما صحيحان وفسر بن عباس وجمهور أهل اللغة وغريب الحديث الساق هنا بالشدة أي يكشف عن شدة وأمر مهول وهذا مثل تضربه العرب لشدة الأمر ولهذا يقولون قامت الحرب على ساق).

وقال في شرح صحيح مسلم أيضاً (18/ 77): (قوله (فذلك يوم يكشف عن ساق) قال العلماء معناه ومعنى ما في القرآن يوم يكشف عن ساق يوم يكشف عن شدة وهول عظيم أي يظهر ذلك يقال كشفت الحرب عن ساقها إذا اشتدت).

السادس والعشرون:

تأويله لـ (الأصبع)، وتقريره للتنزيه بقوله (يد الجارحة مستحيلة)، قال في شرح صحيح مسلم (17/ 129): (قوله (إن الله يمسك السماوات على أصبع والأرضين على أصبع إلى قوله ثم يهزهن) هذا من أحاديث الصفات وقد سبق فيها المذهبان التأويل والإمساك عنه مع الإيمان بها مع اعتقاد أن الظاهر منها غير مراد فعلى قول المتأولين يتأولون الأصابع هنا على الاقتدار أي خلقها مع عظمها بلا تعب ولا ملل والناس يذكرون الإصبع في مثل هذا للمبالغة والاحتقار فيقول أحدهم بأصبعي أقتل زيدا أي لا كلفة علي في قتله وقيل يحتمل أن المراد أصابع بعض مخلوقاته وهذا غير ممتنع والمقصود أن يد الجارحة مستحيلة).

السابع والعشرون:

تأويله للفظ (اليمين)، قال في شرح صحيح مسلم (7/ 98): (قوله صلى الله عليه وسلم (إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل) قال المازري قد ذكرنا استحالة الجارحة على الله سبحانه وتعالى وأن هذا الحديث وشبهه إنما عبر به على ما اعتادوا في خطابهم ليفهموا فكنى هنا عن قبول الصدقة بأخذها في الكف وعن تضعيف أجرها بالتربية قال القاضي عياض لما كان الشيء الذي يرتضى ويعز يتلقى باليمين ويؤخذ بها استعمل في مثل هذا واستعير للقبول والرضا …).

الثامن والعشرون:

تقريره لمسلكي أهل الحق (التفويض والتأويل)، وتأويله لـ (الإتيان) و (المجيء)، قال في شرح صحيح مسلم (3/ 19): (قوله صلى الله عليه وسلم (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه) اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين أحدهما وهو مذهب معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناها بل يقولون يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شيء وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوق وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين واختاره جماعة من محققيهم وهو أسلم والقول الثاني وهو مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على مايليق بها على حسب مواقعها وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله بأن يكون عارفا بلسان العرب وقواعد الأصول والفروع ذا رياضة في العلم فعلى هذا المذهب يقال في قوله صلى الله عليه وسلم فيأتيهم الله أن الإتيان عبارة عن رؤيتهم إياه لأن العادة أن من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته الا بالاتيان فعبر بالاتيان والمجئ هنا عن الرؤية مجازا وقيل الإتيان فعل من أفعال الله تعالى سماه إتيانا وقيل المراد بيأتيهم الله أي يأتيهم بعض ملائكة الله قال القاضي عياض رحمه الله هذا الوجه أشبه عندي بالحديث قال ويكون هذا الملك الذي جاءهم في الصورة التي أنكروها من سمات الحدث الظاهرة على الملك والمخلوق قال أو يكون معناه يأتيهم الله في صورة أي يأتيهم بصورة ويظهر لهم من صور ملائكته ومخلوقاته التي لا تشبه صفات الإله ليختبرهم وهذا آخر امتحان المؤمنين فإذا قال لهم هذا الملك أو هذه الصورة أنا ربكم رأوا عليه من علامات المخلوق ما ينكرونه ويعلمون أنه ليس ربهم ويستعيذون بالله منه وأما قوله صلى الله عليه وسلم (فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون) فالمراد بالصورة هنا الصفة ومعناه فيتجلى الله سبحانه وتعالى لهم على الصفة التي يعلمونها ويعرفونه بها وإنما عرفوه بصفته وإن لم تكن تقدمت لهم رؤية له سبحانه وتعالى لأنهم يرونه لا يشبه شيئا من مخلوقاته وقد علموا أنه لا يشبه شيئا من مخلوقاته فيعلمون أنه ربهم فيقولون أنت ربنا وإنما عبر بالصورة عن الصفة لمشابهتها إياها ولمجانسة الكلام فإنه تقدم ذكر الصورة وأما قولهم (نعوذ بالله منك) فقال الخطابي يحتمل أن تكون هذه الاستعاذة من المنافقين خاصة وأنكر القاضي عياض هذا وقال لا يصح أن تكون من قول المنافقين ولا يستقيم الكلام به وهذا الذي قاله القاضي هو الصواب ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه وإنما استعاذوا منه لما قدمناه من كونهم رأوا سمات المخلوق).

التاسع والعشرون:

نفي ما يفهم المشبهة من قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور)، فقال في شرح صحيح مسلم (2/ 236): (قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور عين اليمنى) معناه أن الله تعالى منزه عن سمات الحدث وعن جميع النقائص وأن الدجال مخلوق من خلق الله تعالى ناقص الصورة فينبغي لكم أن تعلموا هذا وتعلموه الناس لئلا يغتر بالدجال من يرى تخييلاته وما معه من الفتنة).

وقال في شرح صحيح مسلم أيضاً (18/ 60): (وأما قوله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى ليس بأعور والدجال أعور فبيان لعلامة بينة تدل على كذب الدجال دلائل قطعية بديهية يدركها كل أحد ولم يقتصر على كونه جسما أو غير ذلك من الدلائل القطعية لكون بعض العوام لايهتدى إليها والله أعلم).

الثلاثون:

تأويله للأصبع، وتقريره لمسلكي أهل الحق في طريقة التعامل مع نصوص الصفات، فقال في شرح صحيح مسلم (16/ 204): ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء هذا من أحاديث الصفات وفيها القولان السابقان قريبا أحدهما الإيمان بها من غير تعرض لتأويل ولا لمعرفة المعنى بل يؤمن بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد قال الله تعالى ليس كمثله شئ والثاني يتأول بحسب ما يليق بها فعلى هذا المراد المجاز كما يقال فلان في قبضتي وفي كفي لا يراد به أنه حال في كفه بل المراد تحت قدرتي ويقال فلان بين إصبعي أقلبه كيف شئت أي أنه مني على قهره والتصرف فيه كيف شئت فمعنى الحديث أنه سبحانه وتعالى متصرف في قلوب عباده وغيرها كيف شاء لا يمتنع عليه منها شئ ولا يفوته ما أراده كما لايمتنع على الإنسان ما كان بين إصبعيه فخاطب العرب بما يفهمونه ومثله بالمعاني الحسية تأكيدا له في نفوسهم فإن قيل فقدرة الله تعالى واحدة والإصبعان للتثنية فالجواب أنه قد سبق أن هذا مجاز واستعارة فوقع التمثيل بحسب ما اعتادوه غير مقصود به التثنية والجمع والله أعلم)).

الواحد والثلاثون:

تأويله للهرولة بأنها قرب الله من عباده برحمته، وليس كما يقول المشبهة أنها هرولة حقيقية تليق بجلاله، قال في شرح صحيح مسلم (17/ 3): (وإن أتاني يمشي أتيته هرولة هذا الحديث من أحاديث الصفات ويستحيل إرادة ظاهره وقد سبق الكلام في أحاديث الصفات مرات ومعناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي والتوفيق والإعانة وإن زاد زدت فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها).

****************

وبعد هذا يأتي من يقول الإمام النووي ليس أشعريا ولكن تأثر بالأشاعرة

*********************

كتبه/ د. سيف علي العصري

الجمعة 25 صفر 1438

25 نوفمبر 2016

Saif Alasri

https://www.facebook.com/117916711714040/posts/672771706228535/

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.