تعليقات وجيزة على كلام العلامة بخيت المطيعي في مسألة التسلسل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، الصلاة على رسول الله، وبعد

فهذه تعليقات وجيزة على كلام العلامة بخيت المطيعي في تعليقاته على شرح الإمام الإسنوي لمنهاج الإمام البيضاوي، في مسألة التسلسل.

قال الإمام الإسنوي: لا يجوز إطلاق اسم الفاعل على شيء، -والفعل أي المصدر المشتق منه- قائمٌ بغير ذلك الشيء، بل يجب بمقتضى اللغة إطلاق ذلك المشتق على الذي قام به، لأنا استقرينا اللغة فوجدنا الأمر كذلك.

وخالفَتْ المعتزلة في المسألتين ، فقالوا: الله تعالى يصدق عليه أنه متكلم، والكلام المشتق منه لا يقوم به، لأن الكلام النفساني باطلٌ، ولا كلام إلا الحروف والأصوات وهي مخلوقة، فلو قامت بذاته تعالى لكانت محلاً للحوادث، بل يخلق الله تعالى ذلك الكلام في اللوح المحفوظ أو في غيره من الأجسام كخلقه تعالى إياه في الشجرة حين كلم موسى، وذلك الجسم لا يسمى متكلماً وإن قام به الكلام.

وذكر الأصوليون هذه القاعدة ليردوا بها على المعتزلة في هذه المسألة.

ثم استدلت المعتزلة على مذهبهم بأن الخالق يطلق على الله تعالى وهو مشتق من الخلق، والخلق هو المخلوق لقوله تعالى: (هذا خلق الله) والمخلوق ليس قائماً بذاته كما تقدم في الحكم على المعدوم، واستدلالكم بالخالق باطل، لأن الخلق ليس هو المخلوق، بل هو تأثير الله تعالى في المخلوق، والتأثير قائم بذات الله تعالى. وإما الإطلاق الواقع في الآية فهو مجازٌ من باب تسمية المتعلق باسم المتعلق.

قالت المعتزلة:- لا جائز أن يكون الخلق هو التأثير لأنه أن كان قديماً لزم قدم العالم، وإن كان حادثاً لزم التسلسل وكلاهما محال.

بيان الأول من ثلاثة أوجه:

أحدها: إن المؤثر سبحانه وتعالى قديم، والتأثير قد فرضناه قديماً، وإذا وجد المؤثر والتأثير استحال تخلف الأثر وهو العالم، فيلزم من وجودهما في الأزل وجود العالم.

الثاني: أن العالم هو ما سوى الله تعالى، والتأثير غير الله تعالى، فلو كان قديماً لكان العالم قديماً.

الثالث: أن التأثير نسبة، والنسبة متوقفة على المنتسبين وهما الخالق والمخلوق فلو كانت قديمة، مع أنها متوقفة على المخلوق لكان المخلوق قديماً من طريق الأولى.

وأما بيان الثاني وهو التسلسل:

فلأن التأثير إذا كان حادثاً فهو محتاج إلى خلق آخر، أي تأثير آخر، لأن كل حادث لابدُّ له من تأثير مؤثر فيعود الكلام إلى ذلك التأثير وبتسلسل.

وهذه الشبهة لا جواب عنها في المحصول ولا في الحاصل، وقد أجاب المصنف بأنّ التأثير نسبة فلم يحتج إلى تأثير آخر.

وتقريره من وجهين:

أحدهما أن النسب والإضافات كالبنوة والأخوة أمور عدمية لا وجود لها في الخارج، وإنما هي أمور اعتبارية أي يعتبرها العقل فلا تحتاج إلى مؤثر

الثاني: أن النسبة متوقفة على المنتسبين فقط، فإذا حصلا حصلتْ، ولا تحتاج إلى مؤثر آخر.

وهذا الجواب فيه التزام لحدوث التأثير، والجواب الأول مانع للحدوث والقدم معاً لأنها من الموجود وقد فرضناه معدوماً.

[قال المطيعي:- الحدوث الذي استفيد من الجواب الثاني معناه التجدد لا بمعنى الوجود بعد العدم، والجواب الأول منع الحوادث بمعنى الوجود بعد العدم. والقدم بمعنى الوجود بالذات. فلا تنافي بين ما التزم في الجواب الثاني وبين ما منع في الجواب الأول. على أن المصنف أختار الجواب بأن التأثير حادث بمعنى متجدد، وأنه اعتبار والتسلسل لا يجري في الاعتبارات لأن في تجددها لا نحتاج إلى التأثير.

وقال: ومن هنا تعلم أن الاعتبارات الصادقة ذات المنشأ الموجود في الخارج إن كانت عدمية في الخارج، تعد من الصفات، وتوصف بها الذات اتصافاً انتزاعياً وإن كانت لا تقوم بموصوفها قيام انضمامٍ كقيام السواد فليس للصفات الاعتبارية وجود في الخارج يغاير وجود موصوفها].

وأجاب في التحصيل بجوابين:-

أحدهما: أنّ الممتنع إنما هو تقدم النسبة على محلها وأما ثبوتها مع محلها عند عدم المنسوب إليه فلا استحالة فيه. ألا ترى أن تقدَّم الباري على العالم نسبة بينه وبين العالم، ويستحيل القول بتوقف وجودها على وجود المنتسبين.

الثاني: أن المحال من التسلسل إنما هو التسلسل في المؤثرات والعلل وأما التسلسل في الآثار فلا نسلم أنه ممتنع، وهذا التسلسل إنما هو في الآثار.

قال الأصفهاني في شرح المحصول: وفيه نظر لأنه يلزم منه تجويز حوادث لا أول لها، وهو باطلٌ على رأينا.

[قال المطيعي: معلقاً على كلام الإسنوي:- الثاني: أن المحال من التسلسل إنما هو التسلسل في المؤثرات والعلل .. الخ؛ كلام جيد، وأما قول الأصفهاني، وفيه نظر لأنه يلزم منه تجويز حوادث لا أول لها وهو باطلٌ على رأينا. فنقول: لا يلزم من كونه باطلاً على رأيه أنه باطل في الواقع ونفس الأمر، فإنه لغاية الآن لم يقم دليل على امتناع التسلسل في الآثار الموجودة في الخارج، وإن اشتهر أن التسلسل فيها محال!!

ولزوم حوادث لا أول لها لا يضر بالعقيدة ألا إذا قلنا لا أول لها بمعنى لا أول لوجودها، وهذا مما لم يقل به أحد، بل الكل متفق على أن ما سوى الله تعالى مما كان أو يكون حادثٌ، أي موجود بعد العدم بقطع النظر عن أن تقف آحاده عند حدٍّ من جانبي الماضي والمستقبل أو لا تقف عند حدٍّ من جانبهما أو من أحدهما، ألا ترى أن الإجماع قام على أنَّ نعيم الجنة لا يتناهى ولا يقف عند حد في المستقبل، وبعد كونه حادثاً بمعنى أنه موجود بعد العدم لا يضرنا أن تقول: لا آخر له بمعنى عدم انقطاع آحاده وعدم وقوفها عن حد، ولو قلنا إنه لا آخر لها بمعان البقاء واجب لها لذاتها لكان كفراً، فكذلك من جانب الماضي نقول: حوادث لا أول لها بمعنى أنها لا تقف آحادها عند حد تنتهي إليه وكل واحد منها موجودة بعد العدم، ولكنها لا تتناهى في دائرة ما لا يزال، ولو قلنا إنها لا أول لوجودها ولا افتتاح له لكان ذلك قولاً بقدمها، وذلك كفر، وعليك بكتابنا القول المفيد، وحواشي الخريدة].

تعليق لطيف على كلام المطيعي:-

كلامه على سبيل الإجمال غريب، وفيه تناقضات وعدم دقة، وأنا أجزم أنه لم ينظر فيه نظراً تامّاً رحمه الله وغفَرَ له.

1- قوله – ولزوم حوادث لا أول لها لا يضر بالعقيدة

أقول:- هذا الكلام عجيب، فكيف لا يضر بالعقيدة، ولماذا إذن كثرت المنازعات على هذه المسألة واعتبروها أصلاً من الأصول، سواءً المثبت والنافي، بل يترتب على تجويز حوادث لا أول لها أمور كثيرة، أهمها عدم استحالة اتصاف الله تعالى بالحوادث، لأن العمدة في نفي اتصافه تعالى بالحوادث إنما هو استحالة التسلسل، وأن كل ما قام به الحوادث فهو حادث لا محالة، فإذا قلنا الآن: بل يجوز التسلسل في القدم، لم يمتنع عند الناس إثبات حلول الحوادث بالذات الإلهية، تعالى الله عن ذلك، فكيف يقال بعد هذا أنه لا يضر بالعقيدة.

ثم أيضاً يلزم عنه مناقضة القرآن والسنة، فالقرآن نصَّ على أن الله تعالى هو الأول، ومعنى هذا أنه لا أول غيره، وإذا جوزنا التسلسل في القدم لم يكن لها أوَّل، فصارت لا يقال عنها لها أول، فصارت مثل الله تعالى في هذا.

وأيضاً فالقرآن نصَّ على أن الله خالق كل شيء، والخلق معناه الإيجاد من العدم، فكل شيء كان معدوماً ثم وجد، وتجويز ما لا أول له من الحوادث يناقض هذا. وغير هذا من القرآن.

وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم “كان الله ولم يكن شيء غيره” معنى هذا أن سلسلة الحوادث منقطعة، فكيف يقال، لا أول لها. وإما مناقضة الأدلة العقلية فمعلومٌ.

2- أما قوله بعد كلامه السابق.. إلا إذا قلنا لا أول لها بمعنى لا أول لوجودها.

أقول:-

كلمة لا أول لها لا نحتمل إلا هذا المعنى أي لا أول لوجود الحوادث متعاقبة متسلسلة في القدم، فتتكون السلسلة عندنا، فإذا قلنا لا أول لها، فهذا يعني لا أول لوجودها، ولا معنى آخر غيره. فتأمل. فكيف تجيز القول بهذا ثم تضع له معانٍ، وهو في الحقيقة لا يوجد له إلا معنى واحد فهذا عجيب. ثم قوله بعد هذا

3- .. وهذا مما لم يقل به أحد….

أقول:-

كيف لم يقل به أحد، وقد قالت به الفلاسفة الذين يثبتون وجود الله، ويقولون بالقدم النوعي للحوادث، وقدم المادة. كيف وقد قال به ابن تيمية وأنصاره، فهو محلٌّ نزاع.

ثم كيف تجوز هذا القول، وهو نفسه الذي يقول به الماركسيون وعليه يعتمدون في إثبات عدم الحاجة إلى القول بوجود الله، فما دام يمكن للحوادث أن تتسلسل إلى المالانهاية، فلا حاجة للقول بوجود موجدٍ لها. إلا إذا قيل إن تجويز هذه السلسلة يعتمد في العقل على شرط وهو إثبات وجود الله الدائم الأزلي، فلو لم يوجد واجب الوجود لما أمكن للعقل التصديق بهذا الأمر، فنقول:- وهذا أيضاً باطل، فلا مجال للإنسان إلا أن يقول بأحد قولين إمّا بحدوث الموجودات منذ الأزل وهنا تنقطع السلسلة، أو بقدمها أو قدم أصلها. وهنا يلزم التسلسل، والقول الثاني باطل بإجماع المسلمين:

ثم الأحاديث التي تثبت أن لله تعالى خلقاً أولا، تثبتُ نفسُها وجوب انقطاع سلسلة الحوادث، كحديث أول ما خلق الله القلم، فهذا يثبت أولية للحوادث، ثم بعد هذا استمر الخلق، ولكن لا بدَّ له من أول، إذ يستحيل عقلاً أن يكون بلا أول فتنبه.

ومن هذا، فإن القول الذي قال به العلامة المطيعي، ليس له في نفس الأمر إلا معنى واحد، ولكن المطيعي توهم أن له معنيين فقال هو جائز إن أريد به كذا، وغير جائز إن أريد به المعنى الآخر، والمعنى الثاني هو المعنى الوحيد في نفس الأمر.

وعلى هذا يكون المطيعي أثبت استحالة التسلسل المعلوم استحالته، ولكنه أثبت معنى آخر سمّاه تسلسلاً وهو في الحقيقة ليس كذلك، فلا يكون المطيعي مخالفاً للجمهور، إلا في ابتداعه هذه القسمة وهي قسمة باطلة كما تبين لك. فتدبر

4- قوله… بقطع النظر عن أن تقف آحاده عند حدٍّ من جانبي الماضي والمستقبل أولا تقف عند حدٍّ من جانبهما أو من أحدهما. انتهى قوله.

أقول:

هنا أدعى جواز ثلاثة صور. نوضحها كالتالي.

الصورة الأولى:-

الصورة الثانية:-

الصورة الثالثة:-

فهذه الصور الثلاثة للحوادث المخلوقات، أجاز المطيعي وقوعها وادعى أنه لا ضرر منها بالعقيدة، ونحن نقول: إن الصورة الأولى والثانية ممتنعة ولا تجوز لا عقلاً ولا شرعاً، إما الثالثة فجائزة واقعة.

5- قال:- إلا ترى أن الإجماع قام على أن نعيم الجنة لا يتناهى ولا يقف عن حد في المستقبل

أقول:-

انظر إلى قوله هذا، لتعرف منبع الغلط في سائر كلامه، فهو قد علم أن الاتفاق صار بين المسلمين على أن نعيم الجنة لا ينقطع، وصور هذا بالصورة التالية نعيم الجنة لا نهاية له في المستقبل.

فتوهم أن هذا لا فرق بينه وبين أن يقال: وكذا لا بداية للمخلوقات في الماضي، فهو قد قاس الصورة الثانية على الآفاق الحاصل على نعيم الجنة ونحن نعلم أنه لا بُدَّ في كل قياس عن وجه شبه معتبر بين الأمرين وهاهنا لا يوجد وجه شبه، بل هما أمران ضدان. بيان هذا كالتالي:-

الصورة الأولى: حوادث لا أول لها أي وقعت حوادث لا بداية لها، بغض النظر عن انتهائها في الحاضر وتوقف تعاقبها أو استمرارها في الوجود.

الصورة الثانية:- حوادث لها أول في الوجود، وما تزال متعاقبة إلى الآن بغض النظر أيضاً عن استمرارها أو انقطاعها.

فلو جوزنا وقوع الصورة الأولى، لجوزنا وقوع ما لانهاية له في الوجود، وجوزنا انتهاء مالا نهاية له، لأن الفرض أن ما لانهاية له من المحدثات وقعت على سبيل التعاقب حتى هذا الزمان على الأقل. وهذا تسليمٌ بأن ما لانهاية له من الأعداد قد وقع في الوجود.

أما الصورة الثالثة:- فتجويزها لا يلزم منه وقوع ما لانهاية له كما هو واضح ففي الماضي لها بداية وعددها محدود، وكذا حتى الآن والمستقبل لم يجيء بَعْدُ.

فالعلامة المطيعي: قاس الصورة الأولى على الثانية، متوهماً وجود شبه بينهما وهذا كلام باطل، بل هما مختلفان أشد الاختلاف كما بيّنّا.

6- قال: عن نعيم الجنة الذي لا يتناهى: وبعد كونه حادثاً، بمعنى أنه موجود بعد العدم، لا يضرنا أن نقول: لا آخر له عدم انقطاع آحاده وعدم وقوفها عند حدٍّ

أقول:-

نعم هذا القول لا يضرنا، لأنه لا يلزم منه وقوع ما لانهاية له فعلاً في الوجود وأما القول الآخر، جواز التسلسل في الحوادث في القديم، فهو يضرنا لما ذكرناه. وفرق عظيم بينهما.

7- قال: ولو قلنا أنه لا آخر لها بمعنى البقاء واجبٌ لها لذاتها لكان كفراً

أقول:-

هذا الكلام صحيح، ولكن، لا أحد يصرِّح من المسلمين بهذا القول لا في الماضي ولا في المستقبل، وليس هذا موضع النزاع، ولكن النزاع حاصلٌ في الصورة السابقة التي أوضحناها.

وأيضاً، فأن أقول: لا معنى القول أن حوادث لا نهاية لها ولا بداية لها أي لا أول لها قد مضت، لا معنى لهذا، إلا إنها واجبة الوجود، فهذا المعنى يلزم لزوماً عن السابق، ووجه اللزوم، أنه لا يتصور قديمٌ إلا واجب، ولا يتصور غير واجب إلا حادث، إلا على رأي الفلاسفة القائلين بالفاعل بالعلة، ومع أنه يرد عليه إيرادات، إلا أن المسلمين متفقون على أنه باطل، فكفانا هذا الإجماع مؤونة الرد عليه.

فكلام المطيعي هنا فيه تخبط وانتقال من معنى إلى معنى كما سبق أن أشرنا، ولذا كان في كلامه مخاطرة، فتدبر.

8- قال:- فكذلك من جانب الماضي نقول:-

حوادث لا أول لها بمعنى إنها لا تقف آحادها عند حدٍّ تنتهي إليه، وكل واحد منها موجود بعد العدم، ولكنها لا تتناهى في دائرة مالا يزال.

أقول:-

هذا القول قد بيَّنَّا نحن فيما سبق استحالته واستلزامه للوازم الفاسدة الباطلة، وهو –أي المطيعي- يتوهم أنه جائز وهذا توهم فاسد. ومن الواضح أن المطيعي يستند في تجويز هذا القول إلى القياس، لأنه يتخيل أن هذه الحالة – أي التسلسل في المضي- مثل التسلسل في المستقبل وفرق كبير بينهما.

فالتسلسل فيما لم يزل باطل.

والتسلسل فيما لا يزال جائز.

أي أن التسلسل في الماضي باطل.

والتسلسل في المستقبل جائز، ليس بواجب ولوجود الفرق، فقياسه فاسد؛ ولذا لا يجوز عدُّ قوله هذا معتبراً لأنه ليس كل قول صدر من عالمٍ فهو معتبرٌ، إلا أن يكون له حظٌ من النظر، كما هو مقرر في علم الأصول وغيره.

ولذا لا يجوز أن يكون قوله نقضاً للاتفاق الحاصل، ولا يجوز لأحد أن يحتج به، لأنه في نفسه فاسد، لوجود التخليط في المعاني كما بينا.

9- قال:- ولو قلنا إنها لا أول لوجودها ولا افتتاح له، لكان ذلك قولاً بقدمها وذلك كفر. انتهى كلامه.

أقول:-

هذا الكلام هو الذي يبين أن المطيعي يتوهم في نفسه معنى يتكلم عليه وبناءً عليه – رحمه الله-.

فقد سبق أن قلنا إن معنى كلمة حوادث لا أول لها إنما هو أي لا مفتح لو جودها، لا معنى له غير هذا، وهاهو الآن ينفي هذا المعنى، وبذلك يتبين لنا أنه كان يتكلم على معنى آخر في نفسه يتوهمه صالحاً لأن يكون مستفاداً من هذه العبارة- التسلسل في القدم- والحق أنه لا معنى لها إلى ما ذكرنا، وما نبه إليه المطيعي هنا.

وببذلك يتبين لنا بوضوح أنه لا يجوز لأحد أن يستند إلى قول المطيعي ويحتج به في تجويز القول بالتسلسل في القدم، وذلك لأنه قول هذا فيه ما فيه من تخابط وتخليط، عفا الله عن المطيعي.

وأنا أجزم أن العلاقة المطيعي كان صالح العقيدة لما قاله هنا وما نظرته في كتبه، وإنه لا يجيز القول بحلول الحوادث في الذات الإلهية، ولا القول بأن الله تعالى في مكان ولا في جهة وغير هذا مما يكثر النزاع فيه وذلك بصريح قوله هو رحمه الله تعالى.

فقد قال في حاشيته على شرح المنهاج ج2 ص602: “ودعوى أن تقدم الباري نسبة بينه وبين العالم غير صحيح إذ لا نسبة أصلاً بين الباري وبين العالم لا بالتقدم ولا بالتأخر ولا بالفوقية ولا بالتحتية ولا بجهة من الجهات أصلاً، بل كل ما سوى الله تعالى من العوالم منسوبٌ إليه تعالى على أنه الأثر الصادر عن ذاته جل وعلا، فلا اتصال ولا انفصال بينه تعالى وبين العالم. وأين التراب من رب الأرباب، وأين الممكن الذي له العدم من ذاته من الواجب الذي له الوجود من ذاته.

وبناءاً على هذا نقول: إن أراد بالتقدم في الجواب الأول سبق وجود الباري عقلاً وخارجاً بدون ملاحظة العالم وهو وجوده في الأزل، أي مرتبة الوجود الذاتي الواجب الخاص به تعالى المشار المعنى نسبة بينه تعالى وبين العالم بل هو وصف ذاتي له تعالى، وإن كان المراد من سبق وجوده تعالى بصفة كونه مؤثراً مع ملاحظة العالم بصفة كونه أثراً فهذا التقدم نسب إضافية لا توجد ولا تعقل إلا بوجود العالم أيضاً لأن معنى وجودها وجود منشئها وهو الذات الأقدس بوصف كونه مؤثراً وانتزاعها بوصف كونه أثراً ولا معنى لوجودها حينئذ إلا انتزاعها انتزاعاً صادقاً من منشئها ولا وجود لها في الخارج. انتهى كلامه.

أقول:-

ولي على هذا الكلام تعليقات لا مجال لذكرها في هذا المحل، ولكن المقصود أن المطيعي لا يقول بحلول الحوادث في الذات الإلهية ولا بغير هذا من الترهات التي يقول بها من يحتج بقوله عفا الله عنه مثل الجهة والمكان.

وفي نهاية هذه التعليقة أقول:-

لا يجوز التسرع وتكفير العلامة المطيعي قبل التمعن في قوله؛ لأن التكفير صعب خصوصاً للعلماء المشهود لهم بالورع والتقوى والعلم، وكونهم ابتداءً من أهل السنة يعتقدون بعقائد أهل الحق، فلا يجوز من مجرد سماع كلمة ممن لا يفهمها أن نبادر إلى التكفير.

وقد تبين لنا أن كلامه فيه تخابط، مع قوله بالمعنى الصحيح وردِّه للمعنى الباطل ضمنا ومفهوماً من كلامه، ومصرحاً به في مواضع منه، ومجرد ورود بعض الألفاظ التي ظاهرها باطل لا يجيز لنا التكفير بل تقول: تعبيره غلط. والمعنى الذي قصده صحيح والله أعلم.

10- قال:- [وعليك بكتابنا القول المفيد وحواشي الجريدة ].

أقول:- لم أقرأ أياً منهما، وسوف أكتب عليهما تعليقات وأذكر أراه عند وجداني لهما. والله المستعان.

كتبت هذه التعليقات في ساعة

بل أقل من ساعة في ليلة الأحد

31/1/1993م

أبو الفداء.

وما توفيقنا ألا بالله تعالى وليس لنا وراء الله مطلب ولا غاية.

https://www.aslein.net/showthread.php?t=4405

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.