تعريف البدعة في الاصطلاح وتقسيمها إلى حسنة وسيئة

تعريف البدعة في الاصطلاح وتقسيمها إلى حسنة وسيئة

تعريف البدعة في الاصطلاح

فقد تعدّدت تعريفات البدعة في الاصطلاح وتنوّعت؛ واختلف العلماء في صياغة تعريف جامع لها ومانع لغيرها لاختلاف أنظارهم في مفهومها ومدلولها. فمنهم من وسّع مدلولها، حتى أطلقها على كل مستحدث من الأشياء، ومنهم من ضيّق ما تدلّ عليه، فتقلص بذلك ما يندرج تحتها من الأحكام .[1]

ومن هنا ظهر من يسمَّون بالموسِّعين لمعنى البدعة وهم الذين وسّعوا معنى البدعة حتى يشمل كل مستحدث من الأمور سواء أكانت في العبادات أم في العادات والمعاملات، من أمور الدِّين أو الدنيا. وبالمقابل ظهر أيضاً من يسمَّون بالمضيِّقين لمعنى البدعة وهم الذين ضيّقوا معنى البدعة وأطلقوها في أمر معيّن دون غيره من الأمور.[2]

وتختلف بسبب ذلك مواقفهم من هذا المصطلح. فمنهم من قال بأن كل بدعةٍ سيئةٌ ومذمومةٌ، ومنهم من قال بأن البدعة منقسمة إلى: حسنة محمودة وسيئة مذمومة، أو بعبارة أخرى: بدعة هدى وبدعة ضلالة. وسنوجز هذين الاتجاهين في الفرعين الآتيين:

الفرع الأول: تعريف البدعة اصطلاحاً عند الاتجاه الأول (توسيع معنى البدعة)

أطلق أصحاب هذا الاتجاه لفظ البدعة على كل حادث لم يوجد في زمن التشريع، سواءً أكان في العبادات أم العادات، وسواءً أكان مذموماً أم غير مذموم. فأصحاب هذا الاتجاه لا يرون حرجاً في إطلاق اسم البدعة على كل محدث، عادي أو عبادي، ويتفاوت حكمه باختلاف موقف الشرع منه، حيث إن البدعة عندهم لا تختص بالمحدث المذموم. فمن ثم، يُسمَّون بالموسِّعين لمعنى البدعة؛ لأنهم وسّعوا دائرة البدعة.[3]

ويتمثل هذا الاتجاه في تعريف العز بن عبد السلام للبدعة وهو: أنها “فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-“.[4] وقريب منه تعريف النووي حيث قال: “إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-“.[5] ومثله تعريف العيني حيث قال: “إِحْدَاث مَا لم يكن لَهُ أصل فِي عهد رَسُول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- “.[6] وقريب من هذا أيضاً تعريف ابن حزم حيث قال: “البدعة: كل ما قيل أو فُعِلَ مما ليس له أصل فيما نسب إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو في الدين كل ما لم يأت في القرآن، ولا عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.” [7]

وكما رأيت أن تعريفاتهم جامعة لكل فعل لم يعهد أو إحداث لم يكن في عصر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو لم يأت في القرآن، ولا عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سواء أكان هذا الفعل من الأمور الدينية أم الدنيوية، في العبادات أم المعاملات، حسناً أم سيئاً، كل هذا داخل في التعريف.

ونلاحظ هنا أن هذه التعريفات أقرب إلى المعنى اللغوي منها إلى المعنى الاصطلاحي. لذلك اعتُرض بأن مراد العز بن عبد السلام إنما هو البدعة اللغوية، لا الشرعية. وحملوا ما قيل عنه من البدع إنه حسن على المعنى اللغوي وأن تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة إنما يتمشى مع المعنى اللغوي للفظ البدعة فقط. وهو ما قاله ابن حجر الهيتمي،[8] والشيخ محمد بخيت، والشيخ عزت عطية، وغيرهم من العلماء.[9]

لكن لما كان العز بن عبد السلام يتكلم في سياق قواعد الأحكام الشرعية فينبغي أن يُفهم أنه أراد بهذا التعريف تعريفاً اصطلاحياً، لا لغوياً. والله أعلم.

ومال إلى هذا السيوطي حيث قال في شرحه على الموطأ: “أصل البدعة ما على غير مثال سابق وتطلق في الشرع على ما يقابل السنة أي ما لم يكن في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم تنقسم إلى الأحكام الخمسة”.[10]

ويتضح هذا الأمر أكثر حينما نرى فتوى العز عن حكم المصافحة بعد الصلاة المفروضة حيث سئل ما نصه: “المصافحة عقيب صلاة الصبح والعصر مستحبة أم لا؟” فقال في الجواب عن هذا السؤال: “المصافحة عقب الصبح والعصر من البدع، إلا لقادم يجتمع بمن [لم] يصافحه قبل الصلاة، فإن المصافحة مشروعة عند القدوم، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأتي بعد الصلاة بالأذكار المشروعة ويستغفر ثلاثاً ثم ينصرف. وروي أنه قال: «رَبِّ قِني عَذابَك يومَ تَبْعَثُ عِبادَك»[11] . والخير كله في اتباع الرسول. وقد أحب الشافعي للإمام أن ينصرف عقب السلام.”[12]

ظاهر من اعتباره المصافحة عقيب صلاة العصر بدعة، وقوله “والخير كله في اتباع الرسول” أنه يفضل ترك هذه البدعة، ولكنّه صرّح في “قواعده” بأن المصافحة عقيب الصبح والعصر من البدع المباحة.

الفرع الثاني: تعريف البدعة اصطلاحاً عند الاتجاه الثاني (تضييق معنى البدعة)
هناك اتجاه آخر في تعريف البدعة، يرى أصحابه أن مصطلح البدعة في الشرع لا يطلق إلا على ما هو مذموم مخالف للشرع، ويكون ذلك خاصة في العبادات والمعتقدات.[13]

ومن أبرز تعريفات هذا الاتجاه ما قاله ابن تيمية (المتوفى سنة 728هـ) بأن البدعة هي “ما خالفت الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات”.[14] وكذا ما قاله ابن الأثير (المتوفى سنة 606هـ) بأن البدعة هي “ما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-“.[15] وفصّل الشمني (المتوفى سنة 872هـ) فقال: “ما أحدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من علم أو عمل أو حال بنوع شبهة أو استحسان وجعل ديناً قويماً وصراطاً مستقيماً”.[16] وبتعبير أقصر: “خلاف السنة اعتقاداً وعملاً وقولاً”. قاله الخادمي الحنفي (المتوفى سنة 1176 هـ).[17] فظاهر من هذه التعريفات أن البدعة عند هذا الاتجاه تنحصر في الأمور المخالفة للشرع فيما يتعلق بأمور الدين، وهي مذمومة كلها.

وهناك من ينظر إلى جانب عدم الأصل في تعريف البدعة، كما قال ابن رجب الحنبلي (المتوفى سنة 795هـ) بأن البدعة هي “ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه” أو: “ما ليس لها أصل من الشريعة ترجع إليه”.[18] ومثله تعريف العيني (المتوفى سنة 855هـ) حيث قال: “ما أُحدث وليس له أصل في الشرع”.[19] وزاد ابن حجر العسقلاني (المتوفى سنة 852هـ) فقال: “ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام”.[20] ومثله ما قاله ابن تيمية أيضاً والشاطبي -رحمهما الله- (المتوفى سنة 790هـ) بأن البدعة هي “التي لم يدل عليها دليل شرعي، لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا استدلال معتبر عند أهل العلم، لا في الجملة ولا في التفصيل”.[21] أو ما قاله أبو العباس القرطبي (المتوفى سنة 656هـ) بأن البدعة هي: “ما ابتدئ وافتتح من غير أصل شرعي”.[22] وعبارة الأمير الصنعاني (المتوفى سنة 1182هـ): “ما عمل من دون أن يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة”.[23]

هذه التعريفات كلها متفقة على ذم البدعة من حيث عدم وجود الدليل أو الأصل من الشرع.

وهناك تعريفات أخرى للبدعة قريبة مما سبق، منها ما قاله الخطابي (المتوفى سنة 388 هـ) بأن البدعة هي: “كل شيء أُحْدِثَ على غير أصل من أصول الدين وعلى غير عياره وقياسه”.[24] أو ما قاله الراغب الأصفهاني (المتوفى سنة 502 هـ) بأن البدعة هي: “إيراد قول لم يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة وأماثلها المتقدمة وأصولها المتقنة”.[25]

وهناك من أدخل عهد الصحابة في اعتبار البدعة، كما يظهر من صنع أحمد الرومي الحنفي[26] (المتوفى سنة 1041هـ) حيث قال عن البدعة بأنها: “الزيادة في الدين أو النقصان منه الحادثان بعد الصحابة بغير إذن الشارع، لا قولاً، ولا فعلاً، ولا صريحاً، ولا إشارة”.[27]

وهناك من أدخل عهد التابعين بالإضافة إلى عهد الصحابة، كما صنع السعد التفتازاني (المتوفى سنة 793 هـ) حيث قال: “هو المحدث في الدين، من غير أن يكون في عهد الصحابة والتابعين، ولا دل عليه الدليل الشرعي”.[28] بل هناك من أدخل القرون الثلاثة في اعتبار البدعة كما صنع اللكنوي (المتوفى سنة 1304 هـ) حيث قال عن البدعة بأنها “ما لم يكن في القرون الثلاثة ولا يوجد له أصل من الأصول الأربعة”.[29]

وبالمقابل، هناك من لم ينظر إلى الزمان بعين الاعتبار، سواء زمان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم بعده، بل جعل البدعة في كل “ما لم يقم دليل شرعي على أنه واجب أو مستحب، سواءً فُعِلَ في عهده -صلى الله عليه وسلم- أو لم يُفعَل” كما ظهر من قول ابن حجر الهيتمي (المتوفى سنة 974هـ).[30]

وهناك من نظر إلى جانب المضاهاة للشرع كما ظهر من صنع الشاطبي حيث عرّف البدعة بأنها: “طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه. أو طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية”.[31]

وهذا الاتجاه في تعريف البدعة جعل مفهوم البدعة في الشرع أخص منه في اللغة، فجعل البدعة هي المذمومة فقط، ولم يسمّ البدع الواجبة والمندوبة والمباحة بدعًا، وإنما اقتصر مفهوم البدعة عند أصحاب هذا الاتجاه على المحرَّمة والمكروهة كما اختاره الشاطبي، أو على المحرَّمة فقط كما اختاره الألباني.[32]

قال الشاطبي: “ثَبَتَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ خَمْسَةٌ، نُخْرِجُ عَنْهَا الثَّلَاثَةُ، فَيَبْقَى حُكْمُ الْكَرَاهِيَةِ وَحُكْمُ التَّحْرِيمِ، فَاقْتَضَى النَّظَرُ انْقِسَامَ الْبِدَعِ إِلَى الْقِسْمَيْنِ، فَمِنْهَا بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَمِنْهَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ جِنْسِ الْمَنْهِيَّاتِ وَهِيَ لَا تَعْدُو الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ، فَالْبِدَعُ كَذَلِكَ”.[33]

وقال الألباني -كما نقله عنه تلميذه الحلبي-: “ثم ليُعلم أن هذه البدع ليست خطورتها في نسبة واحدة، بل هي على درجات: بعضها شرك وكفر صريح، وبعضها دون ذلك. ولكن يجب أن نعلم أن أصغر بدعة يأتي الرجل بها في الدين هي مُحرَّمة بعد تبيُّن كونها بدعة، فليس في البدع -كما يتوهم البعض- ما هو في رتبة المكروه فقط”.[34]

وأما علي الحلبي فظاهر عبارته تشير إلى أنه مال إلى رأي الشاطبي، قال: “الأحكام الشرعية لا تجري مجراها كلها البدع، بل نُخْرِجُ عَنْهَا الثَّلَاثَةَ، فَيَبْقَى حُكْمُ الْكَرَاهِيَةِ وَحُكْمُ التَّحْرِيمِ، فَاقْتَضَى النَّظَرُ انْقِسَامَ الْبِدَعِ إِلَى الْقِسْمَيْنِ، فَمِنْهَا بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَمِنْهَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ جِنْسِ الْمَنْهِيَّاتِ وَهِيَ لَا تَعْدُو الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ، فَالْبِدَعُ كَذَلِكَ”.[35]

هذه تعريفات البدعة عند الاتجاه الثاني، وهو اتجاه التضييق لمعنى البدعة حيث تنحصر في الأمور المخالفة للشرع ولا دليل لها منه. وهذه البدعة يسميها الشاطبي بالبدعة الحقيقية، فهي التي لا ترجع إلى أصل الشرع بوجه معتبر ولم يدل عليها دليل شرعي، لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم، لا في الجملة ولا في التفصيل. ولا خلاف في إنكارها وذمّها. ولهذا سُمّيتْ بدعةً حقيقيةً؛ لأنها شيء مخترع على غير مثال سابق، وإن كان المبتدع يأبى أن ينسب إليه الخروج عن الشرع؛ إذ هو مدّعٍ أنه داخل بما استنبط تحت مقتضى الأدلة، ولكن ثبت أن هذه الدعوى غير صحيحة، لا في نفس الأمر ولا بحسب الظاهر، أما في نفس الأمر فبالعرض، وأما بحسب الظاهر فإن أدلته شبه وليست بأدلة.[36]

ومن خلال التعريفات السابقة وجدنا أنهم اتفقوا على ذم البدعة وإنكارها. لكن ليس لمجرد كونها محدثة بل لمخالفتها الشرع وعدم وجود الأصل المرجوع إليه في الشرع. فكل ما ليس له أصل يرجع إليه في الشرع شأنه أن يخالف الشرع. لأنه لو كان له أصل فيه لما خالفه. فعدم الأصل المرجوع إليه والمخالفةُ صفتان لازمتان للبدعة التي اتفقوا على ذمها وإنكارها. فالعلة في ذم البدعة إنما تكون في مخالفتها الشرع الناشئة من عدم الأصل الذي يمكن أن ترجع إليه.

قال ابن رجب الحنبلي: “فكلُّ من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدِّين ولم يكن له أصلٌ من الدِّين يرجع إليه، فهو ضلالةٌ، والدِّينُ بريءٌ منه. وسواءٌ في ذلك مسائلُ الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة”.[37]

وفي الحقيقة فإن الاتجاهين -الموسعين والمضيقين- اتفقا على حقيقة مفهوم البدعة المذمومة شرعًا، وإنما الاختلاف في المدخل للوصول إلى هذا المفهوم المتفق عليه، وهو أن البدعة المذمومة التي يأثم فاعلها شرعًا هي التي تخالف الشرع وليس لها أصلٌ فيه يدل عليها، وهي المرادة من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».

والقاسم المشترك بين الاتجاهين أنه ليس كلُّ مُحدَث منهيًّا عنه؛ بل الأمور المحدثة تعتريها الأحكامُ التكليفيةُ بحسب ما تدل عليه الأصول الشرعية، وعليه يكون منها ما هو حسن موافق للشرع، ومنها ما هو قبيح مخالف للشرع.[38]

العلاقة بين البدعة المذمومة والمعصية

هناك قدر مشترك بين البدعة المذمومة والمعصية. فالأولى داخلة في الثانية، لا العكس. أي: كل بدعةٍ مذمومةٍ معصيةٌ، وليست كل معصيةٍ بدعةً. والقدر المشترك بينهما هي المخالفة. فكلٌّ من البدعة المذمومة والمعصية تتضمن مخالفة للشرع، إلا أن المعاصي قد تكون بدعة وقد لا تكون. فالمعصية التي تكون بدعة هي التي اقترنت باعتقاد صاحبها أنها قربة وطاعة. قال ابن رجب الحنبلي : “فمن تقرَّب إلى الله بعمل، لم يجعله الله ورسولُه قربة إلى الله، فعمله باطلٌ مردودٌ عليه، وهو شبيهٌ بحالِ الذين كانت صلاتُهم عندَ البيت مُكاء وتصدية، وهذا كمن تقرَّب إلى الله تعالى بسماع الملاهي، أو بالرَّقص، أو بكشف الرَّأس في غير الإحرام، وما أشبه ذلك من المحدثات التي لم يشرع الله ورسولُه التقرُّب بها بالكلية”.[39]

وأما المعصية التي لم تقترن باعتقاد صاحبها أنها قربة كمن يشرب الخمر وهو يعلم أن الخمر حرام وأنه آثم بذلك فهي معصية محضة، وليست ببدعة.

فمرتكب المعصية قصْدُه نيل غرضه وشهوته العاجلة متكلاً على العفو، فهو إلى الطمع في رحمة الله أقرب. كما أن إيمانه لا يتزحزح في أن هذه المعصية ممنوعة شرعاً، وإن اقترفها فهو يخاف الله ويرجوه، والخوف والرجاء شعبتان من شعب الإيمان. وليس في ذهنه أن معصيته هذه من الشرع في شيء، فهو لا يعتقد إباحتها وشرعيتها. كما أنه بمعصيته لم ينقص من الدين شيئاً، في حين أن المبتدع ببدعته قد جاء بتشريع زائد أو ناقص أو تغيير للأصل الصحيح، وكل ذلك قد يكون على انفراد أو ملحقاً بما هو مشروع، فيكون قادحاً في المشروع.[40]

قال الشاطبي : “فليتأمل هذا الموضع أشد التأمل ويعط من الإنصاف حقه، ولا ينظر إلى خفة الأمر في البدعة بالنسبة إلى صورتها وإن دقت، بل ينظر إلى مصادمتها للشريعة ورميها لها بالنقص والاستدراك، وأنها لم تكمل بعد حتى يوضع فيها، بخلاف سائر المعاصي فإنها لا تعود على الشريعة بتنقيص ولا غض من جانبها، بل صاحب المعصية متنصل منها، مقر لله بمخالفته لحكمها. وحاصل المعصية أنها مخالفة في فعل المكلف لما يعتقد صحته من الشريعة. والبدعة حاصلها مخالفة في اعتقاد كمال الشريعة”.[41]

والبدعة توصف بالضلالة، بخلاف سائر المعاصي، فإنها لم توصف في الغالب بوصف الضلالة إلا أن تكون بدعة أو شبه البدعة. وكذلك الخطأ الواقع في المشروعات وهو المعفو لا يسمى ضلالاً، ولا يطلق على المخطئ اسم ضال، كما لا يطلق على المتعمد لسائر المعاصي.[42]

تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة

أقوال المجيزين لتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة

ذهب فريق من العلماء إلى جواز تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة. وقبل أن نذكر أقوالهم، ينبغي أن نعلم أن الأساس الذي اعتمد عليه أصحاب هذا الاتجاه هو الأساس اللغوي الواسع؛ لأننا قد عرفنا -مما سبق- معنى البدعة في اللغة الذي يشمل كل إحداث أو اختراع على غير مثال سابق، سواء أكان حسناً أم سيئاً.

قول الإمام الشافعي (المتوفى سنة 204ه)
ومن أصرح الأقوال في تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة قول الإمام الشافعي حيث قال: «الْمُحْدَثَاتُ مِنَ الْأُمُورِ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمِا: مَا أُحْدِثَ يُخَالِفُ كِتَاباً أَوْ سُنَّةً أَوْ أَثَراً أَوْ إِجْمَاعاً. فَهَذِهِ الْبِدْعَةُ الضَّلَالَةُ. وَالثَّانِيَةُ: مَا أُحْدِثَ مِنَ الْخَيْرِ لَا خِلَافَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا. وَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٌ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه- فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، يَعْنِي: أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ، وَإِذَا كَانَتْ فَلَيْسَ فِيهَا رَدٌّ لِمَا مَضَى».[43]

وفي رواية أخرى قال: «البِدْعَةُ بِدْعَتَانِ بِدْعَةٌ مَحْمُودَةٌ، وَبِدْعَةٌ مَذْمُومَةٌ. فَمَا وَافَقَ السُّنَّةَ فَهُوَ مَحْمُودٌ، وَمَا خَالَفَ السُّنَّةَ فَهُوَ مَذْمُومٌ»[44] ، واحتج بقول عمر بن الخطاب في قيام رمضان: نِعْمَتِ البدعةُ هي.[45]

وهذا القول ثابت عنه كما سيأتي بيانه. فظهر من قوله هذا أنه من المقسّمين للبدعة إلى حسنة وسيئة. وظاهر من قوله أيضاً أن الحد الفاصل في التفريق بين البدعة السيئة وغيرها عنده هو المخالفة للشرع. فما خالف الشرع فهو مذموم، وما لم يخالف الشرع فهو غير مذموم. كما أنه جعل موافقة السنة معياراً في عدّ البدعة حسنة محمودة. وعلّق البيهقي على قول الشافعي هذا فقال: “فكذا مناظرة أهل البدع إذا أظهروها، وذكروا شبههم منها، وجوابهم عنها، وبيان بطلانهم فيها. وإن كانت من المحدثات فهي محمودة ليس فيها ردّ ما مضى”.[46]

قول العز بن عبد السلام

العز بن عبد السلام من أبرز أصحاب التوسيع حيث وسع معنى البدعة حتى تشمل كل فعل لم يعهد في عصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سواء كان من الأمور الدينية أم الدنيوية، وسواء كان حسناً أم سيئاً. ولما كانت هذه الأمور المحدثة متنوعة ومتفاوتة، كان من مقتضى العقل والمنطق أن تقسم إلى أقسام، ويعطى كل قسم منها ما يناسبه من الأحكام. وهذا واضح؛ لأن الأفعال التي لم تعهد في عصر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرة جدًّا لا تحصى ولا تعد فيجب إعطاء كل منها الحكم المناسب له. قال العز : “وهي منقسمة إلى: بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة”.[47] وتبعه على هذا التقسيم النووي وغيره، كما سيأتي.

قول ابن حزم الظاهري

قال ابن حزم البدعة هي: “كل ما قيل أو فُعِلَ مما ليس له أصل فيما نسب إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو في الدين كل ما لم يأت في القرآن، ولا عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إلا أن منها ما يؤجر عليه صاحبه، ويعذر بما قصد إليه من الخير، ومنها ما يؤجر عليه صاحبه ويكون حسناً، وهو ما كان أصله الإباحة، كما روي عن عمر -رضي الله عنه-: نعمتِ البدعةُ هذه. وهو ما كان فعلَ خيرٍ جاء النص بعموم استحبابه وإن لم يقرر عمله في النص. ومنها ما يكون مذموماً ولا يعذر صاحبه وهو ما قامت به الحجة على فساده فتمادى عليه القائل به”.[48]

قول ابن عبد البر (المتوفى سنة 463ه)

وقال ابن عبد البر : “وأما قول عمر: نعمت البدعة، في لسان العرب: اختراع ما لم يكن وابتداؤه. فما كان من ذلك في الدين خلافاً للسنة التي مضى عليها العمل فتلك بدعة لا خير فيها وواجب ذمها والنهي عنها والأمر باجتنابها وهجران مبتدعها إذا تبين له سوء مذهبه. وما كان من بدعة لا تخالف أصل الشريعة والسنة فتلك نعمت البدعة، كما قال عمر؛ لأن أصل ما فعله سنة”.[49]

قول الغزالي (المتوفى سنة 505 هـ)

وقد عرّف أبو حامد الغزالي البدعة المذمومة بأنها “بدعة تضاد سنة ثابتة، وترفع أمراً من الشرع مع بقاء علّته”. قال : “ليس كل ما أبدع منهيّاً، بل المنهيّ بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمراً من الشرع مع بقاء علّته، بل الإبداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيّرت الأسباب”.[50]

وقد ذكر تعريفاً آخر للبدعة المذمومة فقال: “إنما البدعة المذمومة ما يصادم السنة القديمة أو يكاد يفضي إلى تغييرها”.[51] وقال في موضع آخر: “وإنما البدعة المذمومة ما تضاد السنن الثابتة. وأما ما يعين على الاحتياط في الدين فمستحسن”.[52]

فظهر من قوله أنه ذم البدعة إذا كانت تضاد سنة ثابتة أو تكاد تفضي إلى تغييرها، أو ترفع أمراً من الشرع.

قول ابن الجوزي (المتوفى سنة 597ه)

قال ابن الجوزي : “والبدعة: عبارة عن فعل لم يكن فابتدع. والأغلب في المبتدعات أنها تصادم الشريعة بالمخالفة وتوجب التعاطي عليها بزيادة أو نقصان. فإن ابتُدِع شيء لا يخالف الشريعة ولا يوجب التعاطي عليها فقد كان جمهور السلف يكرهونه وكانوا ينفرون من كل مبتدَع وإن كان جائزاً، حفظاً للأصل وهو الاتباع. وقد قال زيد بن ثابت لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- حين قالا له اجمع القرآن: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”.[53]

ثم قال بعد ذلك: “إن القوم كانوا يتحذرون من كل بدعة وإن لم يكن بها بأس؛ لئلا يحدثوا ما لم يكن. وقد جرت محدثات لا تصادم الشريعة، ولا يتعاطى عليها، فلم يروا بفعلها بأساً، كما روى أن الناس كانوا يصلون في رمضان وحداناً وكان الرجل يصلي فيصلي بصلاته الجماعة فجمعهم عمر بن الخطاب على أبي بن كعب -رضي الله عنهما- فلما خرج فرآهم قال: نعمتِ البدعةُ هذه”.[54]

قول ابن الأثير (المتوفى سنة 606 هـ)

وقال ابن الأثير : “البدعة بِدْعَتَان: بدعة هُدًى وبدعة ضلال. فما كان في خلاف ما أمَر اللّه به ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو في حَيِّز الذّم والإنكار. وما كان واقعاً تحت عُموم ما نَدب اللّه إليه وحَضَّ عليه اللّه أو رسوله فهو في حيز المدح. وما لم يكن له مثال موجود كنَوْع من الجُود والسخاء وفعْل المعروف فهو من الأفعال المحمودة ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما وَردَ الشرع به لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد جَعل له في ذلك ثوابا فقال «من سَنّ سُنة حسَنة كان له أجْرها وأجرُ من عَمِل بها»[55] وقال في ضِدّه: «ومن سنّ سُنة سيّئة كان عليه وزْرُها وَوِزْرُ من عَمِل بها» وذلك إذا كان في خلاف ما أمر اللّه به ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ومن هذا النوع قولُ عمر -رضي اللّه عنه- : نِعْمَت البدعة هذه . لمــــــَّا كانت من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح سماها بدعة ومدَحها لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يَسُنَّها لهم وإنما صلاّها لَياليَ ثم تَركَها ولم يحافظ عليها ولا جَمع الناسَ لها ولا كانت في زمن أبي بكر وإنما عمر رضي اللّه عنه جمع الناس عليها ونَدَبهم إليها فبهذا سمّاها بدعة وهي على الحقيقة سُنَّة لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عليكم بسُنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشِدين من بعْدي»[56] وقوله «اقتدُوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر»[57] . وعَلَى هذا التأويل يُحمل الحديث الآخر: «كل مُحْدَثة بدعةٌ» إنما يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السُّنَّة. وأكثر ما يُستعمل المبْتدَع عُرفا في الذمّ”.[58]

قول أبي شامة (المتوفى سنة 665 هـ)

قال أبو شامة : “ثمَّ الْحَوَادِث منقسمة إلى بدع مستحسنة وإلى بدع مستقبحة… فالبدع الْحَسَنَة مُتَّفق على جَوَازِ فِعلِهَا والاستحباب لَهَا ورجاء الثَّوَاب لمن حسنت نِيَّته فِيهَا. وَهِي كل مُبْتَدع مُوَافق لقواعد الشَّرِيعَة غير مُخَالف لشَيْء مِنْهَا وَلَا يلْزم من فعله مَحْذُور شَرْعِي… وَأما الْبدع المستقبحة فَهِيَ… كل مَا كَانَ مُخَالفاً للشريعة أَو مُلْتَزماً لمخالفتها وَذَلِكَ منقسم إلى محرم ومكروه وَيخْتَلف ذَلِك باختلاف الوقائع وبحسب مَا بِهِ من مُخَالفَة الشَّرِيعَة تَارَة يَنْتَهِي ذَلِك إلى مَا يُوجب التَّحْرِيم وَتارَة لَا يتَجَاوَز صفة كَرَاهَة التَّنْزِيه. وكل فَقِيه موفق يتَمَكَّن بعون الله من التَّمْيِيز بَين الْقسمَيْنِ مهما رسخت قدمه فِي إيمانة وَعلمه”.[59]

قول القرطبي (المتوفى سنة 671هـ)

وقال القرطبي في تفسيره: “كُلُّ بِدْعَةٍ صَدَرَتْ مِنْ مَخْلُوقٍ فَلَا يخلو أَنْ يَكُونَ لَهَا أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا أَصْلٌ كَانَتْ وَاقِعَةً تَحْتَ عُمُومِ مَا نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَخَصَّ رَسُولَهُ عَلَيْهِ، فَهِيَ فِي حَيِّزِ الْمَدْحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثَالُهُ مَوْجُودًا، كَنَوْعٍ مِنَ الْجُودِ وَالسَّخَاءِ وَفِعْلِ الْمَعْرُوفِ، فَهَذَا فِعْلُهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمَحْمُودَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْفَاعِلُ قَدْ سُبِقَ إِلَيْهِ”.[60]

قول ابن حجر العسقلاني (المتوفى سنة 852 هـ)

قال ابن حجر العسقلاني : “وَالْبِدْعَةُ أَصْلُهَا مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ وَتُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ فِي مُقَابِلِ السُّنَّةِ فَتَكُونُ مَذْمُومَةً. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مِمَّا تَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَحْسِنٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ حَسَنَة، وَإن كَانَت مِمَّا تَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَقْبَحٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ مُسْتَقْبَحَةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ قِسْمِ الْمُبَاحِ وَقَدْ تَنْقَسِمُ إِلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ”.[61]

قول بدر الدين العينى (المتوفى: 855هـ)

وقال العينى في شرحه على صحيح البخاري: “البدعة فِي الأَصْل إحْدَاث أَمر لم يكن فِي زمن رَسُول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثمَّ الْبِدْعَة على نَوْعَيْنِ: إِن كَانَت مِمَّا ينْدَرج تَحت مستحسن فِي الشَّرْع فَهِيَ بِدعَة حَسَنَة، وَإِن كَانَت مِمَّا ينْدَرج تَحت مستقبح فِي الشَّرْع فَهِيَ بِدعَة مستقبحة”.[62]

وقال أيضاً: “وَهِي -أي البدعة- عل قسمَيْنِ: بِدعَة ضَلَالَة… وبدعة حَسَنَة: وَهِي مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حسناً وَلَا يكون مُخَالفاً للْكتاب أَو السّنة أَو الْأَثر أَو الْإِجْمَاع”.[63]

قول السيوطي (المتوفى سنة 911 هـ)

وأما الإمام السيوطي فقد ذهب إلى أن البدعة في الشرع تنقسم إلى الأحكام الخمسة. قال: “البدعة لم تنحصر في الحرام والمكروه، بل قد تكون أيضاً مباحة ومندوبة وواجبة”.[64] وقال أيضاً: “أصل البدعة ما على غير مثال سابق وتطلق في الشرع على ما يقابل السنة أي ما لم يكن في عهده -صلى الله عليه و سلم-، ثم تنقسم إلى الأحكام الخمسة”.[65]

وقد سئل عن حكم تقبيل الخبز هل هو بدعة أم لا؟ وإذا كان بدعة هل يكون حراماً أم لا؟ فأجاب: “أما كون تقبيل الخبز بدعة فصحيح، ولكن البدعة لا تنحصر في الحرام بل تنقسم إلى الأحكام الخمسة ولا شك أنه لا يمكن الحكم على هذا بالتحريم لأنه لا دليل على تحريمه ولا بالكراهة، لأن المكروه ما ورد فيه نهي خاص ولم يرد في ذلك نهي، والذي يظهر أن هذا من البدع المباحة فإن قصد بذلك إكرامه لأجل الأحاديث الواردة في إكرامه فحسن، ودوسه مكروه كراهة شديدة بل مجرد إلقائه في الأرض من غير دوس مكروه لحديث ورد في ذلك”.[66]

قوله ” فإن قصد بذلك… فحسن” يدل على أن البدع المباحة قد تنقلب إلى البدع الحسنة إذا اقترنت بنية صالحة وقصد حسن. والله أعلم.

قول البُجَيْرَمِيّ (المتوفى سنة 1221هـ)

جاء في مغني المحتاج: “مَا أُثْبِتَ فِي الْمُصْحَفِ الْآنَ مِنْ أَسْمَاءِ السُّوَرِ، وَالْأَعْشَارِ، شَيْءٌ ابْتَدَعَهُ الْحَجَّاجُ فِي زَمَنِهِ”. قال البُجَيْرَمِيّ في الحاشية: “وَمَعَ كَوْنِ ذَلِكَ بِدْعَةً فَلَيْسَ مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا، بِخِلَافِ نَقْطِ الْمُصْحَفِ وَشَكْلِهِ، فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ أَيْضًا، لَكِنَّهُ سُنَّةٌ”.[67]

قول البكري الدمياطي (المتوفى سنة 1310 هـ)

وقال البكري الدمياطي : “والحاصل أن البدع الحسنة متفق على ندبها وهي ما وافق شيئاً مما مر ولم يلزم من فعله محذور شرعي. ومنها ما هو فرض كفاية كتصنيف العلوم”.[68]

ولا يخفى أن مخالفة الشرع موجودة في أغلب المحدثات في الدين، لا كلها. فمن المحدثات في الدين ما لا يخالف الشرع كما سبق بيانها وأمثلتها وسيأتي المزيد من الأمثلة في الفصل الأخير من هذه الرسالة إن شاء الله تعالى. ويؤيد هذا المعنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : «مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا هذا ما لَيسَ مِنهُ فَهو رَدٌّ»[69] فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقل: “مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا هذا شيئاً فَهو رَدٌّ” لأن مجرد الإحداث لا يكون محظوراً ولا مذموماً إلا إذا اقترنت مع ذلك مخالفة الشرع وعدم وجود الأصل المرجوع إليه. فمفهوم “ما ليس منه” أن من أحدث أموراً تشهد لها أصول الشرع بالاعتبار فليس رداً.[70]

ولكن لما غلب على المحدثات في الدين مخالفة الشرع قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «كل محدثة بدعة»[71] تحذيراً من خطرها، والمراد أغلبها وهي المحدثات الباطلة والبدع المذمومة دون المحدثات الحسنة والبدع المحمودة.[72] فهذا الحديث عام مخصوص والمراد غالب البدع.[73] وقيل: عام أريد به الخاص.[74] وأياً كان، فكلاهما يؤدي إلى معنى واحد وهو أن المحدثات في الدين أغلبها مذمومة.

قال صاحب “مجالس الأبرار” حين يشرح حديث «كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»: “والمراد بالبدعة المذكورة في هذين الحديثين البدعة السيئة التي ليس لها من الكتاب والسنة أصلٌ وسندٌ ظاهرٌ أو خفيٌّ، ملفوظٌ أو مستنبطٌ، لا البدعة الغير السيئة التي تكون على أصل وسند ظاهر، أو خفي، فإنها لا تكون ضلالة، بل هي قد تكون مباحة كاستعمال المنخل والمواظبة على أكل لب الحنطة، والشبع منه، وقد تكون مستحبة كبناء المنارة، وتصنيف الكتب، وقد تكون واجبة كنظم الدلائل لرد شبه الملاحدة والفِرَق الضالة”.[75]

نعم، بعض العلماء لم يصرّح بقيد المخالفة في كل أقوالهم، بل أطلقوا اسم البدعة على كل محدثة. لكن مع تتبع أقوالهم الأخرى تبيّن أنهم أرادوا بذلك ما قلناه فاتفقوا في المضمون. ومثال ذلك قول ابن حجر في الفتح: “وأما قوله في حديث العرباض: «فإن كل بدعة ضلالة» بعد قوله: «وإياكم ومحدثات الأمور»، فإنه يدل على أن المحدث يسمى بدعة” إلى أن قال: “والمراد بقوله: «كل بدعة ضلالة» ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام”.[76] وقال في موضع آخر: “وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعةً، لكن منها ما يكون حسنًا، ومنها ما يكون بخلاف ذلك”.[77] فعُلِمَ من هنا أنه أراد ما قلناه من تقييد لفظ “المحدَث” بـالمخالفة حيث لا دليل لها من الشرع. وهكذا، كل ما أطلقوه في موضع قيّدوه في موضع آخر. والله أعلم.

أقوال المانعين لتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة

قول الْخطابِيّ (المتوفى سنة 388 هـ)

يرى الامام أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ أن البدعة هي كل شيء أحدث على غير أصل من أصول الدين وعلى غير عياره وقياسه ولم يكن مبنياً على قواعد الأصول ولا مردوداً إليها، فكانت مذمومة وضلالة. وأما ما لم يكن كذلك فلا يسميه بدعة ولا ضلالة. قَالَ فِي شرح قَوْله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «كل محدثة بِدعَة»: “فإن هذا خاص في بعض الأمور دون بعض، وكلِّ شيء أُحدِث على غير أصل من أصول الدين، وعلى غير عياره وقياسه. وأما ما كان منها مبنياً على قواعد الأصول ومردوداً إليها، فليس ببدعة ولا ضلالة”.[78]

قول ابن العربي (المتوفى سنة 543هـ)

ورأى ابن العربي مثل ما رأى الخطابي من أن البدعة خاصة بالمذمومة، أما المحمودة فلا يسميها بدعة ولا ضلالة. قال في شرحه على سنن الترمذي: “المحدث علي قسمين: محدث ليس له أصل إلا الشهوة والعمل بمقتضى الإرادة، فهذا باطل قطعاً، ومحدث يحمل النظير على النظير، فهذه سنة الخلفاء والأئمة الفضلاء. وليس المحدث والبدعة مذمومًا للفظ محدث وبدعة ولا لمعناها، فقد قال تعالى: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾[79] وقال عمر: نعمت البدعة هذه، وإنما يذم من البدعة ما خالف السنة، ويذم من المحدثات ما دعا إلى ضلالة ومخالفة السنة. وأما ما كان مردودا إلى قواعد الأصول ومبنياً عليها فليس بدعة ولا ضلالة” اهـ.[80]

قول “وليس المحدث والبدعة… الخ” ظاهر في أنه لا يرى ذم البدعة من حيث اللفظ ولا المعنى، بل لكونها مخالفة للسنة.

قول ابن كثير (المتوفى سنة 774 هـ)

رأى ابن كثير أن البدعة إما لغوية أو شرعية، فأما البدعة الشرعية فمذمومة كلها، بخلاف البدعة اللغوية فليست مذمومة كلها. قال: “والبدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية، كقوله: فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. وتارة تكون بدعة لغوية، كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: نعْمَت البدعةُ هذه”.[81]

الظاهر من كلام ابن كثير هذا أنه حمل حديث “كل بدعة ضلالة” على عمومه ومنع تقسيم البدعة الشرعية. وأما تقسيمه للبدعة إلى قسمين: لغوية وشرعية، فلا يخرجه عن كونه من المانعين لتقسيم البدعة الشرعية، لأن معنى قوله هذا أن البدعة الشرعية كلها ضلالة عنده. وهذا يوافق الرأي الذي يمنع تسمية المحدثة الحسنة بدعةً شرعيةً، إذ البدعة الشرعية عند هذا الرأي ضلالة كلها، فليس هناك بدعة حسنة إلا من حيث اللغة فقط.

ويؤيد هذا المعنى قوله في موضع آخر: “وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة: هو بدعة؛ لأنه لو كان خيراً لسبقونا إليه، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها”. وذلك حين يفسر قوله تعالى:﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ [82]

فالبدعة الشرعية عنده هي كل فعل وقول لم يثبت في السنة أو عن الصحابة وهي مذمومة كلها، والله أعلم.

قول الشاطبي (المتوفى سنة 790هـ)

يعدّ الشاطبي من أبرز المانعين لتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة. وكتابه “الاعتصام” أكبر دليل على ذلك، حتى كأنّ هذا الكتاب صار مرجعاً لكل من منع تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة. قال : “هذا التقسيم أمر مخترع، لا يدل عليه دليل شرعي، بل هو نفسه متدافع؛ لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي؛ لا من نصوص الشرع، ولا من قواعده. إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة؛ لما كان ثم بدعة، ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها أو المخير فيها، فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعاً، وبين كون الأدلة تدلّ على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين. أما المكروه منها والمحرم؛ فمسلّم من جهة كونها بدعاً لا من جهة أخرى، إذ لو دلّ دليل على منع أمر أو كراهته؛ لم يثبت بذلك كونه بدعةً؛ لإمكان أن يكون معصيةً؛ كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها، فلا بدعة يتصوّر فيها ذلك التقسيم ألبتة، إلا الكراهية والتحريم حسبما يذكر في بابه”.[83]

ثم تعقّب الشاطبي على كلام العز بن عبد السلام في تقسيمه للبدعة إلى أقسام فقال: “فإنّ كلام ابن عبد السلام ظاهر منه أنه سمّى المصالح المرسلة بدعاً؛ بناءً -والله أعلم- على أنها لم تدخل أعيانها تحت النصوص المعيّنة، وإن كانت تلائم قواعد الشرع، فمن هنالك جعل القواعد هي الدالّة على استحسانها بتسميةٍ لها بلفظ البدع، وهو من حيث فقدان الدليل المعيّن على المسألة واستحسانها من حيث دخولها تحت القواعد، ولما بنى على اعتماد تلك القواعد؛ استوت عنده مع الأعمال الداخلة تحت النصوص المعيّنة، وصار من القائلين بالمصالح المرسلة، وسمّاها بدعاً في اللفظ”.[84]

فظاهر من كلامه هذا أنه رفض تسمية المحدثات الحسنة بدعاً بناءً على مذهبه أن البدعة خصت بالمحدثات المذمومة. فقوله “حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي” أوضح دليل على أن تعريفه للبدعة مبني على أساس المعنى الشرعي الخاص لها. فالشاطبي لا ينظر إلى المحدثات على كونها محدثات حتى يحكم عليها بالبدعة أو لا، بل ينظر إلى وجود الدليل أو عدمه. فإن كان لها دليل يدل على أنها ليست مذمومة، فلا يسميها بدعة. وإن لم يكن لها دليل على ذلك، فحينئذ سماها بدعة. فالدليل هنا يلعب دوراً أساسياً في إطلاق البدعة على المحدثات. فكأن لسان حاله يقول: “كل محدثة ليس لها دليل بدعةٌ” ومن ثم حكم عليها كلها بالمنع والذم.

بخلاف العز بن عبد السلام، فإنه ينظر إلى تلك المحدثات على كونها محدثات، ولا ينظر إلى وجود الدليل أو عدمه لإطلاق اسم البدعة عليها. فكونها محدثات كاف لإطلاق البدعة عليها، بغضّ النظر عن وجود الدليل أو عدمه. فكأن لسان حاله يقول: “كل محدثة بدعة”، سواء لها دليل أم لا دليل لها. ثم يُنظر، فما كان لها دليل على أنها واجبة فهي بدعة واجبة. وما كان لها دليل على أنها مندوبة فهي بدعة مندوبة، وهكذا. لذلك، فمن نحا نحو هذا المذهب حمل حديث “كل بدعة ضلالة” على أنه عام مخصوص أو عام أريد به خاص.

وقد استعمل الشاطبي مصطلح البدعة الإضافية. وهو مصطلح لم يكن معروفاً قبل زمانه، ثم شاع بعد ذلك.[85] وقد صرّح هو بذلك حين قال: “فلما كان العمل الذي له شائبتان لم يتخلص لأحد الطرفين وضعنا له هذه التسمية وهي البدعة الإضافية”.[86]

وهي عند الشاطبي: كل قول أو فعل مستند من جهة إلى دليل، ومن جهة أخرى غير مستند إلى شيء مشروع، مع احتياجه إلى الدليل في جهته الثانية.[87] أي أنها بالنسبة إلى إحدى الجهتين سنة لأنها مستندة إلى دليل، وبالنسبة إلى الجهة الأخرى بدعة لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل ، أو غير مستندة إلى شيء.[88]

والفرق بين البدعة الإضافية والبدعة الحقيقية: أن البدعة الحقيقية أحدثت بأصلها ووصفها معاً، وأما البدعة الإضافية فإنها أحدثت بوصفها فقط دون أصلها، فأصلها وارد ووصفها غير وارد.[89] والدليل عليها من جهة الأصل قائم، ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم عليها مع أنها محتاجة إليه لأن الغالب وقوعها في التعبديات لا في العاديات المحضة.[90]

وعرّفها الشاطبي بأنها “التي لها شائبتان : إحداهما لها من الأدلة متعلق ، فلا تكون من تلك الجهة بدعة. والأخرى ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية”.[91]

فهي “مشروعة من وجه، ورأي مجرد من وجه. إذ يدخلها من جهة المخترع رأي في بعض أحوالها فلم تناف الأدلة من كل وجه”.[92] وهذا النوع من البدع هو مثار الخلاف بين العلماء.

والمتبادر من مصطلح البدعة الإضافية أنه يتضمن شيئين: مضافاً ومضافاً إليه، وأن وصف هذا المحدث بالبدعة إنما بسبب الإضافة. وهذا يعني أن المضاف إليه مشروع في الأصل كقراءة القرآن في الطواف، فقراءة القرآن عبادة والطواف عبادة. وإضافة القراءة إلى الطواف من تصرّف المكلّف. وكالدعاء الجماعي عقب الصلاة، فالصلاة عبادة، والدعاء عبادة، والاجتماع على الدعاء أيضاً عبادة من حيث الجملة، فإضافة الاجتماع إلى الدعاء وإضافتهما إلى الصلاة من تصرّف المكلّف.[93]

ومما يتفق عليه العلماء أن بعض الإضافات إلى العمل المشروع من قبيل البدعة المذمومة كاتفاقهم على منع إضافة ركعة خامسة في الصلاة الرباعية واتفاقهم على حرمة أو كراهة الصلاة بلا سبب بعد صلاة الفجر واتفاقهم على عدم مشروعية الأذان للعيد، وهكذا.[94]

وفي المقابل يتفق العلماء أيضاً على أن من الإضافات ما لا مدخل له في البدعة المذمومة وإن اختلفوا هل يسمى بدعة حسنة أو لا، كقراءة القرآن في الطواف لا بقصد الطواف ولا على الالتزام. فهنا أضيفت عبادة التلاوة إلى عبادة الطواف دون أن يلحق اجتماع العبادتين منع ولا ذم.[95]

غير أن هناك مساحة من الإضافات هي محل الخلاف بين العلماء، كانضمام الجهر إلى الذكر عقب الصلوات، وكالجهر بالتلبية والجهر بالتكبير في العيدين وغيرهما.[96]

وقد تكون الإضافة قولية كإضافة لفظ من قبل المكلّف إلى اللفظ الوارد في الشرع كإضافة الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الحمد عند العطاس وكإضافة السيادة عند الصلاة على النبي.[97]

وللبدعة الإضافية صور ذكرها الشاطبي وعلى رأسها صورتان:[98]

الأولى : تقييد المطلق من العبادات بأن يتعبد الإنسان بعبادة شرّع الله التعبّد بها على الإطلاق لكنه يقيّدها بصفة غير واردة في الشرع في عدد أو زمان أو مكان أو هيئة أو جنس، كأن يصلي في وقت كذا عدد كذا من الركعات أو يقول وقت كذا ذكراً معيناً وهكذا.

والثانية : إطلاق المقيّد من العبادات بأن يزيد الإنسان في الأعداد الواردة في عبادة معينة من صلاة أو ذكر أو كأن يبدل ذكراً وارداً بغيره.

قول ابن حجر العسقلاني (المتوفى سنة 852 هـ)

قال ابن حجر العسقلاني : “والمحدثات -بِفَتْحِ الدَّالِّ- جَمْعُ مُحْدَثَةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَا أُحْدِثَ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ وَيُسَمَّى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ بِدْعَةً. وَمَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ. فَالْبِدْعَةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ مَذْمُومَةٌ بِخِلَافِ اللُّغَةِ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ يُسَمَّى بِدْعَةً، سَوَاءٌ كَانَ مَحْمُودًا أَوْ مَذْمُومًا”.[99]

قول السخاوي (المتوفى سنة 902 هـ)

وأما السخاوي فقد وافق العز بن عبد السلام في تقسيم البدعة إلا أنه حملها على البدعة اللغوية. وخص البدعة الشرعية بالمذمومة فقط. قال: “والبدعة هي ما أحدث على غير مثال متقدم فيشمل المحمود والمذموم، ولذا قسمها العز بن عبد السلام -كما سأشير إليه إن شاء الله عند التسميع بقراءة اللحان- إلى الأحكام الخمسة، وهو واضح، ولكنها خصت شرعاً بالمذموم مما هو خلاف المعروف عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.[100]

قول ابن حجر الهيتمي (المتوفى سنة 974 هـ)

ذهب الإمام ابن حجر الهيتمي إلى أن البدعة الشرعية مذمومة كلها. ومن قسمها من العلماء إلى حسن وغير حسن فإنما قسم البدعة اللغوية. قال: “وقول عمر -رضي الله عنه- في التراويح: نعمت البدعة هي، أراد البدعة اللغوية وهو ما فعل على غير مثال كما قال تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾.[101] وليست بدعة شرعاً، فإن البدعة الشرعية ضلالة كما قال -صلى الله عليه وسلم-. ومن قسمها من العلماء إلى حسن وغير حسن فإنما قسم البدعة اللغوية. ومن قال: كل بدعة ضلالة، فمعناه البدعة الشرعية”.[102]

لكن قال في موضع آخر من “فتاواه” بأن المراد بالبدعة الضلالة هي البدعة المحرمة فقط. قال: “وفي الحديث: «كل بدْعة ضلالة وكل ضلالة في النار» وهو محمول على المحرمة لا غير”.[103]

فثبت بهذا أن البدعة الشرعية عنده هي البدعة المحرمة وهي المراد بالبدعة الضلالة في الحديث. والله أعلم.

قول الأمير الصنعاني (المتوفى سنة 1182هـ)

ورأى الأمير الصنعاني أن البدعة مذمومة كلها ولَيْسَ فِي الْبِدْعَةِ مَا يُمْدَحُ بَلْ كُلُّها ضَلَالَةٌ. قال الأمير الصنعاني : “وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ وَجَعَلَهَا سُنَّةً فِي قِيَامِ رَمَضَانَ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ[104] عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَيْفِيَّةِ مَا يَفْعَلُونَهُ وَلَا كَمِيَّتِهِ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا جَمَاعَةً عِشْرِينَ يَتَرَوَّحُونَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. فَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فَإِنَّ عُمَرَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَهُمْ عَلَى إمَامٍ مُعَيَّنٍ وَقَالَ “إنَّهَا بِدْعَةٌ”… وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ بِدْعَةٌ عَلَى جَمْعِهِ لَهُمْ عَلَى مُعَيَّنٍ، وَإِلْزَامِهِمْ بِذَلِكَ لَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ بِدْعَةٌ فَإِنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ جَمَعَ بِهِمْ كَمَا عَرَفْت. إذَا عَرَفْت هَذَا، عَرَفْت أَنَّ عُمَرَ هُوَ الَّذِي جَعَلَهَا جَمَاعَةً عَلَى مُعَيَّنٍ وَسَمَّاهَا بِدْعَةً وَأَمَّا قَوْلُهُ “نِعْمَ الْبِدْعَةُ” فَلَيْسَ فِي الْبِدْعَةِ مَا يُمْدَحُ بَلْ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ. وَأَمَّا الْكَمِّيَّةُ وَهِيَ جَعْلُهَا عِشْرِينَ رَكْعَةً فَلَيْسَ فِيهِ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ… إذَا عَرَفْتَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعِشْرِينَ رِوَايَةٌ مَرْفُوعَةٌ… فَعَرَفْت مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ بِدْعَةٌ. نَعَمْ قِيَامُ رَمَضَانَ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَالْجَمَاعَةُ فِي نَافِلَتِهِ لَا تُنْكَرُ وَقَدْ ائْتَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَغَيْرُهُ بِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ لَكِنَّ جَعْلَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ، وَالْكَمِّيَّةِ سُنَّةً، وَالْمُحَافَظَةَ عَلَيْهَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ إنَّهُ بِدْعَةٌ، وَهَذَا عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- خَرَجَ أَوَّلًا وَالنَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ مِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً عَلَى مَا كَانُوا فِي عَصْرِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَيْرُ الْأُمُورِ مَا كَانَ عَلَى عَهْدِهِ”.[105]

علّق الدكتور عبد الإله العرفج على هذا الكلام فقال: “ولقد تملكني العجب من اعتراضه على سيدنا عمر -رضي الله عنه- الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه! ولعل هذا من بقية ترسبات خلفيته الزيدية!”.[106]

وقد نقل الصنعاني تقسيم العلماء البدعة إلى الأقسام وسكت عنه. قال: “«وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا»: الْمُرَادُ بِالْمُحْدَثَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِشَرْعٍ مِنْ اللَّهِ، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ. «وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» الْبِدْعَةُ: لُغَةً مَا عُمِلَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا عُمِلَ مِنْ دُونِ أَنْ يَسْبِقَ لَهُ شَرْعِيَّةٌ مِنْ كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ… وَقَدْ قَسَّمَ الْعُلَمَاءُ الْبِدْعَةَ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٌ: كَحِفْظِ الْعُلُومِ بِالتَّدْوِينِ، وَالرَّدِّ عَلَى الْمَلَاحِدَةِ بِإِقَامَةِ الْأَدِلَّةِ. وَمَنْدُوبَةٌ: كَبِنَاءِ الْمَدَارِسِ. وَمُبَاحَةٌ: كَالتَّوْسِعَةِ فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ، وَفَاخِرِ الثِّيَابِ. وَمُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ: وَهُمَا ظَاهِرَانِ. فَقَوْلُهُ: كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، عَامٌّ مَخْصُوصٌ”.[107]

وقول الصنعاني “من دون أن يسبق له شرعية” يحتمل أمرين: الأول أي: لم ينص الشرع عليه بطريق الأصالة، والثاني أي: لم يدل الشرع عليه بطريق الاستنباط أو القياس. ولعل رأيه هو الأول؛ لأنه قد أشار إلى ذلك في النص السابق. وأما نقله لتقسيم العلماء البدعة إلى الأقسام فيحتمل أمرين كذلك: الأول: أنه من قبيل نقل رأي المخالف ولم يعلّق عليه مكتفياً بما قاله من قبل وأكد بقوله “وهما ظاهران” كإشارة لطيفة إلى هذا الترجيح، والثاني لعله تغيّر رأيه وهو الظاهر من قوله “عام مخصوص”.[108]

قول الشوكاني (المتوفى سنة 1250هـ)

وأما الشوكاني فكان من أشد الناس رداً على من قسم البدعة إلى أقسام. قال في شرحه لحديث «مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا هذا ما لَيسَ مِنهُ فَهو رَدٌّ» ما نصه: “وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْحَصْرُ. وَمَا أَصْرَحَهُ وَأَدَلَّهُ عَلَى إبْطَالِ مَا فَعَلَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ تَقْسِيمِ الْبِدَعِ إلَى أَقْسَامٍ وَتَخْصِيصِ الرَّدِّ بِبَعْضِهَا بِلَا مُخَصِّصٍ مِنْ عَقْلٍ وَلَا نَقْلٍ. فَعَلَيْك إذَا سَمِعْت مَنْ يَقُولُ هَذِهِ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ بِالْقِيَامِ فِي مَقَامِ الْمَنْعِ مُسْنِدًا لَهُ بِهَذِهِ الْكُلِّيَّةِ وَمَا يُشَابِهُهَا مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» طَالِبًا لِدَلِيلِ تَخْصِيصِ تِلْكَ الْبِدْعَةِ الَّتِي وَقَعَ النِّزَاعُ فِي شَأْنِهَا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا بِدْعَةٌ، فَإِنْ جَاءَك بِهِ قَبِلْته، وَإِنْ كَاعَ[109] كُنْتَ قَدْ أَلْقَمْتَه حَجَرًا وَاسْتَرَحْت مِنْ الْمُجَادَلَةِ. وَمِنْ مَوَاطِنِ الِاسْتِدْلَالِ لِهَذَا الْحَدِيثِ كُلُّ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَك وَبَيْنَ خَصْمِك عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَالَفَك فِي اقْتِضَائِهِ الْبُطْلَانَ أَوْ الْفَسَادَ مُتَمَسِّكًا بِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ إلَّا عَدَمَ أَمْرٍ يُؤْثَرُ عَدَمُهُ فِي الْعَدَمِ، كَالشَّرْطِ أَوْ وُجُودِ أَمْرٍ يُؤْثَرُ وُجُودُهُ فِي الْعَدَمِ كَالْمَانِعِ، فَعَلَيْك بِمَنْعِ هَذَا التَّخْصِيصِ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إلَّا مُجَرَّدَ الِاصْطِلَاحِ مُسْنِدًا لِهَذَا الْمَنْعِ بِمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ الْعُمُومِ الْمُحِيطِ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ قَائِلًا: هَذَا أَمْرٌ لَيْسَ مِنْ أَمْرِهِ، وَكُلُّ أَمْرٍ لَيْسَ مِنْ أَمْرِهِ رَدٌّ فَهَذَا رَدٌّ وَكُلُّ رَدٍّ بَاطِلٌ، فَهَذَا بَاطِلٌ. فَالصَّلَاةُ مَثَلًا الَّتِي تُرِكَ فِيهَا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَوْ فُعِلَ فِيهَا مَا كَانَ يَتْرُكُهُ لَيْسَتْ مِنْ أَمْرِهِ، فَتَكُونُ بَاطِلَةً بِنَفْسِ هَذَا الدَّلِيلِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْمَفْعُولُ أَوْ الْمَتْرُوكُ مَانِعًا بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْأُصُولِ، أَوْ شَرْطًا أَوْ غَيْرَهُمَا، فَلْيَكُنْ مِنْك هَذَا عَلَى ذِكْرٍ”.[110]

وفيه بعض الملاحظات، منها: أن الِاتِّفَاقِ عَلَى بدعية الشيء لا يستلزم ردّه وإنكاره إلا إذا تبيّن أن المراد بالبدعة هي السيئة؛ لأننا وجدنا إطلاق البدعة على ما ليس بسيء. وأوضحُ دليل على ذلك قول عمر “نعمت البدعة”، فقد اتفق الجميع على بدعية صلاة التراويح جماعة بالكيفية التي أحدثها عمر، ومع ذلك لم يختلف أحد في جوازها وندبها، إلا بعض الفرق المنحرفة التي لا يعتدّ خلافها.[111] فإذا ثبت تخصيص الرد ببعض البدع ثبت تقسيمها إلى حسنة وسيئة.

ومنها: أن المثال الذي أورده الشوكاني لهذه المسألة -وهو الصلاة- ليس على إطلاقه. فقوله “فَالصَّلَاةُ مَثَلًا الَّتِي تُرِكَ فِيهَا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَوْ فُعِلَ فِيهَا مَا كَانَ يَتْرُكُهُ لَيْسَتْ مِنْ أَمْرِهِ، فَتَكُونُ بَاطِلَةً بِنَفْسِ هَذَا الدَّلِيلِ” غير مُسلَّم، إلا إذا كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْمَفْعُولُ مَانِعًا أَوْ الْمَتْرُوكُ شَرْطًا أو ركناً -بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْأُصُولِ-، فالصلاة حينئذ باطلة. وأما إن كان الْأَمْرُ الْمَفْعُولُ ليس مَانِعًا أَوْ الْمَتْرُوكُ ليس شَرْطًا ولا ركناً، فالصلاة صحيحة بلا شك، كمن ترك الاستفتاح، أو ترك قراءة القرآن سوى الفاتحة، وغير ذلك من الأمور التي إذا وقعت في الصلاة لا تجعل الصلاة باطلة. والله أعلم.

والواقع أن الشوكاني نفسه سكت عن كثير من المحدثات التي وقعت بعد عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير أي نكير، إما موافقة منه عليها أو مكتفياً بما تقرر عنده من أن كل محدثة بدعة ضلالة. من أمثلة ذلك: عندما يشرح حديث عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ بِلاَلًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» قال الشوكاني: “وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ مُؤَذِّنَيْنِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لَهَا. وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ اتَّخَذَ أَرْبَعَةً، وَلَمْ تُنْقَلْ الزِّيَادَةُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. قَالُوا: إذَا جَازَتْ الزِّيَادَةُ لِعُثْمَانَ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَازَتْ الزِّيَادَةُ لِغَيْرِهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَإِذَا جَازَ اتِّخَاذُ مُؤَذِّنَيْنِ جَازَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ”.[112]

ومنها: عندما يتكلم عن الأذان الأول يوم الجمعة، قال: “وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْأَذَانُ الْأَوَّلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ يُسَمَّى بِدْعَةً، وَتَبَيَّنَ بِمَا مَضَى أَنَّ عُثْمَانَ أَحْدَثَهُ لِإِعْلَامِ النَّاسِ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَأَلْحَقَ الْجُمُعَةَ بِهَا وَأَبْقَى خُصُوصِيَّتَهَا بِالْأَذَانِ بَيْن يَدَيْ الْخَطِيبِ. وَأَمَّا مَا أَحْدَثَ النَّاسُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ مِنْ الدُّعَاءِ إلَيْهَا بِالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ دُون بَعْضٍ، وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ أَوْلَى”.[113]

قول صديق حسن خان القنوجي (المتوفى سنة 1307هـ)

قال صديق حسن خان القنوجي : “ما ذهب إليه طائفة من العلماء المقلدة من أن البدعة تنقسم إلى كذا وكذا، فهو قول ساقط مردود، لا يعتد به، ولا يلتفت إليه، كيف؟ والحديث الصحيح “كل بدعة ضلالة” نص قاطع وبرهان ساطع لرد البدع كلها، كائناً ما كان، والدليل في ذلك على من قال بالقسمة. والمانع يكفيه القيام في مقام المنع حتى يظهر ما يخالفه ظهوراً بيناً لا شك فيه ولا شبهة”.[114]

وفيه بعض الملاحظات، منها: قوله “طائفة من العلماء المقلدة” فقد تقدّم أن الإمام الشافعي يرى تقسيم البدع وهو إمام من أئمة الاجتهاد في الدين. أما المقلدة من العلماء فلعله يقصد العز بن عبد السلام والقرافي والنووي وأمثالهم. والثاني: قوله “والدليل في ذلك على من قال بالقسمة” يعني: أن القائل بتقسيم البدعة مطالب بالدليل، وقد تقدّمت بعض أدلة المجيزين للتقسيم.[115]

أدلة الفريقين

أدلة المجيزين لتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة

واستُدِلّ على تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة بأدلة[116] : منها قول عمر -رضي الله عنه- في صلاة التراويح جماعة في المسجد في رمضان: “نعمتِ البدعة هذه”.[117]

ومنها تسمية ابن عمر -رضي الله عنهما- صلاة الضحى في المسجد بدعةً، وهي من الأمور الحسنة. عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ المَسْجِدَ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي المَسْجِدِ صَلاَةَ الضُّحَى، قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلاَتِهِمْ، فَقَالَ: “بِدْعَةٌ”.[118] وفي رواية: “إنها محدثة، وإنها لَمِنْ أَحْسَنِ ما أحدثوا”. وفي رواية: “وما أحدث الناس شيئًا أحب إلي منها”. وفي رواية: “مَا ابتدع الْمُسلمُونَ بِدعَة أفضل من صَلَاة الضُّحَى”. وفي رواية قال: “بدعة ونعمت البدعة”.[119]

ولعل السائل يسأل: ما الطريق في معرفة ذلك؟ أي كيف نعرف أن هذا الفعل المحدث داخل في أحد الأقسام الخمسة؟ فالجواب في قول العز بعد ذلك: “والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة”.[120]

إذن، لمعرفة كون البدعة حسنةً أم سيئةً لا بد من عرضها على قواعد الشريعة والكليات القطعية التي اتفق عليها العلماء ثم يحكم على كل محدث منها بما يستحقه من الأحكام.[121]

وأما إيجاب أو ندب ما لم يعهد على عصر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهذا مأخوذ من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا…الخ».[122] هذا الحديث وإن كان سببه خاصاً -وهو في الصدقة- ولكن لفظه عام، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فالشرع حث على فعل الحسنات، وكتب لفاعلها أجرها وأجر من عمل بها بعده، كما أنه نهى عن فعل السيئات، وكتب لفاعلها وزرها ووزر من عمل بها بعده.

قال النووي : “وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَخْصِيص قَوْله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «كُلّ مُحْدَثَة بِدْعَة وَكُلّ بِدْعَة ضَلَالَة» ، وَأَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْمُحْدَثَات الْبَاطِلَة وَالْبِدَع الْمَذْمُومَة… وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْبِدَع خَمْسَة أَقْسَام : وَاجِبَة وَمَنْدُوبَة وَمُحَرَّمَة وَمَكْرُوهَة وَمُبَاحَة”.[123]

وهكذا، فالشرع حثّ على فعل الحسنات كما نهى عن فعل السيئات. ولا يتوقّف ذلك على وجودها في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكل حسنة مشروعة وكل سيئة ممنوعة.

وأما تسمية ما يندرج تحت قواعد الإيجاب أو الندب بدعةً فإنما لكونه محدثاً وكل محدث في اللغة يسمى بدعة وإن كانت واجباً أو مندوباً في الشرع.

وذكر العز بن عبد السلام أمثلة من هذه الأقسام فقال:

“وللبدع الواجبة أمثلة، أحدها: الاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله وكلام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وذلك واجب؛ لأن حفظ الشريعة واجب ولا يتأتي حفظها إلا بمعرفة ذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. المثال الثاني: حفظ غريب الكتاب والسنة من اللغة. المثال الثالث: تدوين أصول الفقه. المثال الرابع: الكلام في الجرح والتعديل لتمييز الصحيح من السقيم وقد دلت قواعد الشريعة على أن حفظ الشريعة فرض كفاية فيما زاد على القدر المتعين ولا يتأتى حفظ الشريعة إلا بما ذكرناه.” [124]

ثم أورد العز أمثلة لسائر أنواع البدع فقال:

“وللبدع المحرمة أمثلة منها مذهب القدرية ومنها مذهب الجبرية ومنها مذهب المرجئة ومنها مذهب المجسمة، والرد على هؤلاء من البدع الواجبة.

وللبدع المندوبة أمثلة منها إحداث الربط والمدارس وبناء القناطر، ومنها كل إحسان لم يعهد في العصر الأول، ومنها صلاة التراويح، ومنها الكلام في دقائق التصوف، ومنها الكلام في الجدل في جمع المحافل للاستدلال في المسائل إذا قصد بذلك وجه الله سبحانه .

وللبدع المكروهة أمثلة منها زخرفة المساجد ومنها تزويق المصاحف، وأما تلحين القرآن بحيث تتغير ألفاظه عن الوضع العربي فالأصح أنه من البدع المحرمة.

وللبدع المباحة أمثلة منها المصافحة عقيب الصبح والعصر، ومنها التوسع في اللذيذ من المآكل والمشارب والملابس والمساكن ولبس الطيالسة وتوسيع الأكمام، وقد يختلف في بعض ذلك فيجعله بعض العلماء من البدع المكروهة ويجعله آخرون من السنن المفعولة على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فما بعده وذلك كالاستعاذة في الصلاة والبسملة”.[125]

أدلة المانعين لتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة

واستُدِلّ على ذمّ البدعة مطلقاً ومَنْع تقسيمها إلى حسية وسيئة بأدلة منها: ما أخبر الله أن الشريعة قد كملت قبل وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال الله -سبحانه وتعالى-: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[126] فلا يتصوّر أن يجيء إنسان ويخترع فيها شيئاً؛ لأن الزيادة عليها تعتبر استدراكاً على الله -سبحانه وتعالى-، وتوحي بأن الشريعة ناقصة، وهذا يخالف ما جاء في كتاب الله.[127]

ومنها: آيات قرآنية تذمّ المبتدعة في الجملة، من ذلك قوله تعالى :﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[128]

ومنها: كل ما ورد من أحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في البدعة جاء بذمها، من ذلك حديث: “كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ”.[129]

ومنها: قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : «مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا هذا ما لَيسَ مِنهُ فَهو رَدٌّ».[130]

ومنها: أقوال الصحابة في ذلك، مثل ما روي عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَسْجِدًا وَقَدْ أُذِّنَ فِيهِ، وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِ، فَثَوَّبَ المُؤَذِّنُ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنَ المَسْجِدِ، وَقَالَ: «اخْرُجْ بِنَا مِنْ عِنْدِ هَذَا الْمُبْتَدِعِ» وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. وَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ التَّثْوِيبَ الَّذِي أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدُ.[131]

ويوضّح هذا الاتجاه قول ابن رجب الحنبلي : “المراد بالبدعة ما أُحْدِثَ ممَّا لا أصل له في الشريعة يدلُّ عليه، فأمَّا ما كان له أصلٌ مِنَ الشَّرع يدلُّ عليه، فليس ببدعةٍ شرعًا، وإنْ كان بدعةً لغةً”.[132] يعني: أن الأفعال التي يثاب المرء عليها ويشرع له فعلها -بعد تحقيق الأصول الشرعية والأدلة المرعية عند الأصوليين- لا تسمى بدعةً شرعًا وإن صدق عليها الاسم في اللغة. قال ابن تيمية : “البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق. وأما البدعة الشرعية: فما لم يدل عليه دليل شرعي”.[133]

تحرير محل الخلاف

من خلال ما سبق ذكره، تبين لنا أن الخلاف بين الفريقين -المجيزين والمانعين لتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة- خلاف لفظي من حيث التسمية. فالذين أجازوا التقسيم سموا المحدثات الحسنة بدعاً لأن البدعة عندهم ليست حكماً شرعياً، بل هي مجرد وصف لكل جديد لم يكن موجوداً في عصر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وليس كل جديد مذموماً في ذاته إلا أن يكون مخالفاً للشرع، فالجديد المحمود يسمى بالبدعة الحسنة. والذين منعوا التقسيم لا يسمون المحدثات الحسنة بدعاً لأن البدعة كلها مذمومة وضلالة، فالجمع بين البدعة والحسنة كجمع بين متنافيين، لأن حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي، والتحسين أمر شرعي فلا بد فيه من الدليل من الشرع.

وبعد التأمل في أقوالهم تبيّن أن خلافهم لفظي، بمعنى أن العلماء الذين يمنعون البدعة الحسنة إنما يمنعون تسمية المحدثات الحسنة بدعةً، مع عدم إنكارهم أن من المحدثات ما هو حسن ومحمود، ولكن يختارون لها تسمية أخرى كالمصلحة المرسلة.

ومن هذا أيضاً عرفنا أن حقيقة الاختلاف في تقسيم البدعة ترجع إلى الأساس الذي اعتمد عليه كلٌّ من الفريقين –الموسعين والمصيقين- في تعريفهم للبدعة. فمن عرّف البدعة على أساس المعنى اللغوي العام، لم ير حرجاً في تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة. وأما من عرّف البدعة على أساس المعنى الشرعي الخاص، فلم ير لهذا التقسيم مسوغاً.

وعليه، فلا خلاف حقيقي في شأن التقسيم بين المانعين والمجيزين، بل الخلاف لفظي. فما أُحدث من الخير وكان له مستند من الشرع كأن يكون مندرجاً تحت أصول الشريعة يسميه المجيزون بدعةً حسنةً أو مباحةً أو مستحبةً أو واجبةً، ويسميه المانعون مصلحةً مرسلةً أو غيرها من الأسماء. فالخلاف في الاسم لا في الحقيقة، والعبرة بالحقائق لا بالمسميات فآل الخلاف إذن إلى وفاق.[134]

لكن هناك بدعة متفق على ذمها وحرمتها عند الجميع، وقد تصل إلى الكفر، وهي البدعة الاعتقادية، فليس فيها ما هو محمود.[135]

ويرى الدكتور عبد الإله العرفج –حفظه الله- وجود ثلاثة مذاهب حول تنزيل بدعة الضلالة على كل محدثة ذات صبغة دينية لم تعهد في الصدر الأول: “المذهب الأول يرى كثير من العلماء أن المحدثات الجديدة -وإن كانت في الدين- قد تكون ممدوحة وقد تكون مذمومة، والمقياس في ذلك الاجتهاد والبحث في دلالات نصوص الشريعة وإشاراتها حول هذه المحدثة، أو ردها إلى مثيلاتها في الكتاب والسنة عن طريق القياس، فإن شابهت الجائزات فجائزة، وإن شابهت المحرمات فمحرحة.” وسماهم الموسعين لمعنى البدعة لأنهم يعتقدون أن البدعة تشملها الأحكام الخمسة، أي أنهم يأخذونها بمعناها اللغوي.[136]

ثم ذكر المذهب الثاني فقال: “يرى فريق آخر من العلماء أن كل محدثة في الدين غير معهودة في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابته -رضي الله عنهم – والسلف الصالح: محدثة مذمومة وبدعة ضلالة.” وسماهم المضيقين لمعنى البدعة؛ لأن البدعة عندهم لها حكم واحد فقط وهو الحرمة.[137]

ثم قال: “والخلاف بين الفريقين حقيقي وليس لفظياً إذ إن الفريق الأول لا يحكم على المحدثات بالبدعة والحرمة لعدم ورودها في نصوص الشرع، بل يجتهد ويقيس وينظر، ثم يصدر الحكم الشرعي المناسب بها. أما الفريق الثاني فيرى أن كل محدثة في الدين بدعة ضلالة لأنه ليس مما عهد في الصدر الأول.”[138]

وأما المذهب الثالث، فيرى أصحابه أن المحدثات في الدين إن كانت مما يندرج تحت أصول الشرع وتدل عليه النصوص بالإشارة والتلميح والإجمال فإنها لا تسمى بدعة، وإنما يطلق عليها الحكم الشرعي الذي يناسبها، فقد يكون الحكم واجباً أو مستحباً أو جائزاً.[139]

وحقيقة هذا المذهب لأخير هو نفس المذهب الأول إلا أن خلافهم في التسمية فقط. فيرى الفريق الأول أن المحدثات -إذا حكم بجوازها- فإنها بدعة حسنة. وأما الفريق الثالث فيرى أن تلك المحدثات -إذا حكم بمشروعيتها- أنها مشروعة حسب حكمها وجوباً أو استحباباً أو إباحةً، ولا يطلقون عليها وصف البدعة، إذ البدعة عندهم مصطلح شرعي يدل على المحدثات التي تتعارض مع أصول الشريعة وقواعدها. ومن ثم، فإنهم يرون أن كل بدعة -بعد تحقيق بدعيتها- ضلالة؛ لأن المقصود بالبدعة هنا ما خالفت أصول الشريعة الإسلامية ونصوصها، ومن ثم، فإن أصحاب هذا المذهب يندرجون في المذهب الأول.[140]

إذن، من حيث التسمية موقف العلماء في تقسيم البدعة ينقسم إلى قسمين: قسم يجيزها، وقسم يمنعها ويأتي بتسمية أخرى كالمصلحة المرسلة، فكلا الفريقين متفقان في المضمون مختلفان في التسمية، فهذا خلاف لفظي. وأما من حيث تنزيل البدعة على كل محدثة ذات صبغة دينية لم تعهد في الصدر الأول، فخلافهم حقيقي، وهذا شأن اختلاف الفقهاء عبر القرون في تنزيل الأحكام الشرعية على القضايا المستجدة. والله أعلم.

[1] انظر: العرفج، مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة. المرجع السابق. ص: 69؛ مجموعة من المؤلفين. (1404هـ). الموسوعة الفقهية الكويتية. الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية. 8: 21. عطية، البدعة تحديدها وموقف الإسلام منها. المرجع السابق. ص: 160.

[2] العرفج، مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة. المرجع السابق. ص: 69.

[3] مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية. المرجع السابق. 8: 21؛ عطية، البدعة تحديدها وموقف الإسلام منها. ص: 265.

[4] ابن عبد السلام، أبو محمد عز الدين عبد العزيز. (د.ت). قواعد الأحكام في إصلاح الأنام. نزيه كمال حماد وعثمان جمعة ضميرية (محققان). دمشق: دار القلم. 2: 337-339.

[5] النووي، محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف الحوراني الشافعي. (1996م). تهذيب الأسماء واللغات. تحقيق مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر. ط1. بيروت: دار الفكر. 3: 20.

[6] العينى، عمدة القاري شرح صحيح البخاري. المرجع السابق. 5: 230.

[7] ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد الأندلسي. (1404هـ). الإحكام في أصول الأحكام. (د.م.). ط1. القاهرة: دار الحديث. 1: 47.

[8] انظر: الهيتمي، أحمد شهاب الدين ابن حجر المكي. (د.ت.). الفتاوى الحديثية. (د.م.). (د.م.). بيروت: دار الفكر. 1: 200.

[9] انظر: عطية، البدعة تحديدها وموقف الإسلام منها. المرجع السابق. ص: 294.

[10] السيوطي، عبدالرحمن بن أبي بكر أبو الفضل. (1389هـ – 1969م). تنوير الحوالك شرح موطأ مالك. (د.ت.). (د.ط.). القاهرة : المكتبة التجارية الكبرى. 1: 105.

[11] رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ. انظر: أبو داود، سنن أبي داود.المرجع السابق. 4: 310 حديث رقم: 5045. النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني (1421 هـ – 2001 م). السنن الكبرى. حسن عبد المنعم شلبي بإشراف شعيب الأرناؤوط (محقق). ط1. بيروت: مؤسسة الرسالة. 9: 277 حديث رقم: 10520. الترمذي، سنن الترمذي. المرجع السابق. 5: 471 حديث رقم: 3398.

[12] ابن عبد السلام، أبو محمد عز الدين عبد العزيز. (1406ه-1986م). كتاب الفتاوى. عبد الرحمن بن عبد الفتاح (محقق). ط1. بيروت: دار المعرفة. ص: 46-47.

[13] انظر: مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية. المرجع السابق. 8: 23-24.

[14] ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. (1426هـ – 2005م). مجموع الفتاوى. أنور الباز وعامر الجزار (محققان). ط2. المنصورة: دار الوفاء. 18: 346.

[15] ابن الاثير، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري. (1421هـ). النهاية في غريب الحديث والأثر. الدمام: دار ابن الجوزي. ص: 67.

[16] الحلبي، علم أصول البدع دراسة تكميلية مهمة في علم أصول الفقه. المرجع السابق. ص: 25.

[17] اليافعي، البدعة المحمودة والبدعة الإضافية. المرجع السابق ص: 15.

[18] ابن رجب الحنبلي، زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي. (1424هـ – 2004م). جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم. محمد الأحمدي أبو النور (محقق). ط2. القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع. 2: 781-787.

[19] العينى، أبو محمد بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى. (د.ت.). عمدة القاري شرح صحيح البخاري. (د.م.). (د.ط.). بيروت: دار إحياء التراث العربي. 25: 27.

[20] ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري. المرجع السابق. 13: 254.

[21] ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد الحراني الحنبلي الدمشقي. (1419هـ-1999م). اقتضاء الصراط المستقيم. ناصر عبد الكريم العقل (محقق). ط7. بيروت: دار عالم الكتب. 2: 95؛ الشاطبي، الاعتصام. المرجع السابق. ص: 367.

[22] أبو العباس القرطبي، أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري. (1417هـ – 1996م). المفهم لما أشكل من كتاب تلخيص مسلم. محي الدين ديب مستو وأحمد محمد السيد ويوسف علي بديوي ومحمود إبراهيم بزال (محققون). ط1. دمشق: دار ابن كثير ودار الكلم الطيب. 2: 508.

[23] الصنعاني، محمد بن إسماعيل الأمير الكحلاني. (1379هـ – 1960م). سبل السلام شرح بلوغ المرام. ط4. القاهرة: مكتبة مصطفى البابي الحلبي. 2: 48.

[24] الخطابي، أبو سليمان أحمد بن محمد البستي. (1351هـ – 1932م). معالم السنن. محمد راغب الطباخ (محقق). ط1. حلب: المطبعة العلمية. 4: 300.

[25] الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن. المرجع السابق. 1: 72.

[26] هو أحمد بن عبد القادر الرومي: فاضل من أهل آقحصار، في تركيا. له كتب، منها “مجالس الابرار ومسالك الاخيار” في الزهد، مخطوطاً، منه نسخ في طوبقبو وغيرها، حقق وطبع بعضها في رسالة ماجستير بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1428هـ. و”مختصر إغاثة اللهفان” مخطوطاً، ذكره بروكلمن، و”المجالس الرومية في نهار العربية” مخطوطاً بباريس. انظر: الزركلي، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الدمشقي (2002م). الأعلام. ط15. بيروت: دار العلم للملايين. 1: 153.

[27] الرومي، أحمد بن عبد القادر الحنفي. (1428هـ). مجالس الأبرار ومسالك الأخيار ومقامع الأشرار. علي مصري سيمجان فورا (محقق). رسالة ماجستير بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. ص: 230. انظر: اللكنوي، إقامة الحجة. المرجع السابق. ص: 19.

[28] التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله. (1401هـ – 1981م). شرح المقاصد في علم الكلام. (د.م.). (د.ط.). لاهور: دار المعارف النعمانية. 2: 271.

[29] اللكنوي، أبو الحسنات محمد عبد الحي الهندي. (1410هـ). إقامة الحجة على أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة. عبد الفتاج أبو غدة (محقق). ط2. حلب: مكتب المطبوعات الإسلامية. ص: 12.

[30] الهيتمي، أحمد شهاب الدين ابن حجر المكي. (د.ت.). الفتاوى الحديثية. (د.م.). (د.م.). بيروت: دار الفكر. ص: 200.

[31] الشاطبي، الاعتصام. المرجع السابق. ص: 50-51.

[32] انظر: الحلبي، علي بن حسن بن علي بن عبد الحميد. (1413هـ – 1992م). علم أصول البدع دراسة تكميلية مهمة في علم أصول الفقه. ط1. جدة: دار الراية للنشر والتوزيع. ص: 30-32.

[33] انظر: الشاطبي، الاعتصام. المرجع السابق. 2: 516.

[34] الحلبي، علم أصول البدع دراسة تكميلية مهمة في علم أصول الفقه. ص: 32.

[35] الحلبي، علم أصول البدع دراسة تكميلية مهمة في علم أصول الفقه. ص: 29.

[36] انظر: العصري، البدعة الإضافية دراسة تأصيلية تطبيقية. المرجع السابق. ص: 65. واليافعي، البدعة المحمودة والبدعة الإضافية. المرجع السابق. ص: 64.

[37] ابن رجب، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم. المرجع السابق. 2: 783.

[38] انظر: فتاوى دار الإفتاء المصرية، التاريخ : 19/02/2013. من موقع: http://dar-alifta.org.eg/AR/ViewFatawaConcept.aspx?ID=150 18/08/2017 الساعة 15: 42.

[39] انظر: ابن رجب، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم. المرجع السابق. 1: 185.

[40] انظر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. (1405ه – 1406ه). مجلة البحوث الإسلامية. 14: 173.

[41] الشاطبي، الإعتصام. المرجع السابق. 2: 546.

[42] الشاطبي، الإعتصام. المرجع السابق. 1: 176.

[43] البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي. (1390 هـ – 1970 م). مناقب الشافعي. السيد أحمد صقر (محقق). ط1. القاهرة: مكتبة دار التراث. 1: 469.

[44] أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران. (1409هـ). حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. بيروت: دار الفكر. 9: 113.

[45] المرجع نفسه.

[46] أبو بكر البيهقي، مناقب الشافعي. المرجع السابق. 1: 469.

[47] ابن عبد السلام. قواعد الأحكام في إصلاح الأنام. المرجع السابق. 2: 337-339.

[48] ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد الأندلسي. (1404هـ). الإحكام في أصول الأحكام. (د.م.). ط1. القاهرة: دار الحديث. 1: 47.

[49] ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري. (1421هـ – 2000م). الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار. سالم محمد عطا ، محمد علي معوض (محققان). ط1. بيروت: دار الكتب العلمية. 2: 67.

[50] الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد. (د.ت.). إحياء علوم الدين. (د.م.). (د.ط.). بيروت: دار االمعرفة. 2: 3.

[51] الغزالي، إحياء علوم الدين. المرجع السابق. 1: 276.

[52] المرجع نفسه. 2: 256.

[53] ابن الجوزي، أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد. (1421هـ – 2001م). تلبيس إبليس. ط1. بيرزت: دار الفكر للطباعة والنشر. ص: 17.

[54] ابن الجوزي، تلبيس إبليس. المرجع السابق. ص: 18.

[55] حديث «من سَنّ سُنة حسَنة…» سبق تخريجه ص: 8.

[56] حديث «عليكم بسُنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشِدين» سبق تخريجه ص: 14 عند تخريج حديث «كل بدعة ضلالة».

[57] حديث “اقتدُوا باللذين من بعدي…” رواه الترمذي في سننه. الترمذي، سنن الترمذي. المرجع السابق. 5: 609 حديث رقم: 3662.

[58] ابن الأثير، النهاية . المرجع السابق. 1: 267.

[59] أبو شامة، أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي. (1398هـ – 1978م). الباعث على إنكار البدع والحوادث. عثمان أحمد عنبر (محقق). ط1. القاهرة: دار الهدى. ص: 22-25.

[60] أبو عبد الله القرطبي، محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري. (1384هـ – 1964م). الجامع لأحكام القرآن. ط2. أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش (محقق). ط1. القاهرة: دار الكتب المصرية. 2: 87.

[61] العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري. المرجع السابق. 4: 253.

[62] العينى، عمدة القاري شرح صحيح البخاري. المرجع السابق. 11: 126.

[63] العينى، عمدة القاري شرح صحيح البخاري. المرجع السابق. 5: 230.

[64] السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر. (1421هـ – 2000م). الحاوي للفتاوي. عبد اللطيف حسن عبد الرحمن (محقق). ط1. بيروت: دار الكتب العلمية. 1: 184.

[65] السيوطي، عبدالرحمن بن أبي بكر أبو الفضل. (1389هـ – 1969م). تنوير الحوالك شرح موطأ مالك. (د.ت.). (د.ط.). القاهرة : المكتبة التجارية الكبرى. 1: 105.

[66] السيوطي، الحاوي للفتاوي. المرجع السابق. 1: 181.

[67] انظر: البُجَيْرَمِيّ، تحفة الحبيب. المرجع السابق. 2: 24.

[68] البكري، أبو بكر بن محمد شطا الدمياطي (د.ت.). إعانة الطالبين حاشية على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين. (د.ت.) : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. ص: 271.

[69] حديث “من أحدث في أمرنا…” رواه البخاري ومسلم. انظر: البخاري، صحيح البخاري. المرجع السابق. 3: 184 حديث رقم: 2697. مسلم ابن الحجاج، صحيح مسلم. المرجع السابق. 3: 1343 حديث رقم: 1718.

[70] انظر: العصري، البدعة الإضافية دراسة تأصيلية تطبيقية. المرجع السابق. ص: 123. الغماري، عبد الله بن محمد بن الصديق. (2006م). إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة. (د.م.). (د.ط.). بيروت: عالم الكتب. ص: 13.

[71] حديث “كل محدثة بدعة” رواه أبو داود في سننه. أبو داود، سنن أبي داود. المرجع السابق. 4: 200 حديث رقم: 4607.

[72] انظر: النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج. المرجع السابق. 7: 104.

[73] انظر: النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج. المرجع السابق. 6: 154. الصنعاني، سبل السلام شرح بلوغ المرام. المرجع السابق. 2: 48.

[74] انظر: العصري، البدعة الإضافية دراسة تأصيلية تطبيقية. المرجع السابق. ص: 123.

[75] الرومي، أحمد بن عبد القادر الحنفي. (1428هـ). مجالس الأبرار ومسالك الأخيار ومقامع الأشرار. علي مصري سيمجان فورا (محقق). رسالة ماجستير بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. ص: 229.

[76] ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري. المرجع السابق. 13: 254.

[77] المرجع السابق. 2: 394.

[78] الخطابي، معالم السنن. المرجع السابق. 4: 300؛ أبو شامة، أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي. (1398هـ – 1978م). الباعث على إنكار البدع والحوادث. عثمان أحمد عنبر (محقق). ط1. القاهرة: دار الهدى. ص: 22-25.

[79] الأنبياء: 2.

[80] انظر: أبو بكر ابن العربي، محمد بن عبد الله بن محمد المعافري. (د.ت.). عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي. بيروت: دار الكتب العلمية. الغماري، إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة. المرجع السابق. ص: 17.

[81] ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي. (1420هـ – 1999م). تفسير القرآن العظيم. سامي بن محمد سلامة (محقق). ط2. الرياض: دار طيبة للنشر والتوزيع. 1: 398.

[82] الأحقاف: 11.

[83] الشاطبي، الاعتصام. المرجع السابق. 1: 246.

[84] الشاطبي، الاعتصام. المرجع السابق. 1: 246.

[85] انظر: العصري، البدعة الإضافية دراسة تأصيلية تطبيقية. المرجع السابق. ص 69؛ واليافعي، البدعة المحمودة والبدعة الإضافية. المرجع السابق. ص: 64.

[86] الشاطبي ، الإعتصام. المرجع السابق. ص: 368.

[87] العصري، البدعة الإضافية دراسة تأصيلية تطبيقية. المرجع السابق. ص: 68.

[88] الشاطبي ، الإعتصام. المرجع السابق. ص: 368.

[89] اليافعي، البدعة المحمودة والبدعة الإضافية. المرجع السابق ص: 63-64.

[90] الشاطبي ، الإعتصام. المرجع السابق. ص: 368.

[91] المرجع نفسه. ص: 367.

[92] المرجع نفسه. ص: 221.

[93] العصري، البدعة الإضافية دراسة تأصيلية تطبيقية. المرجع السابق. ص: 70.

[94] المرجع نفسه. ص: 71.

[95] المرجع نفسه. ص: 71.

[96] العصري، البدعة الإضافية دراسة تأصيلية تطبيقية. المرجع السابق. ص: 71.

[97] المرجع نفسه.

[98] اليافعي، البدعة المحمودة والبدعة الإضافية. المرجع السابق. ص: 65.

[99] العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري. المرجع السابق. 13: 253.

[100] السخاوي، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن. (1403هـ). فتح المغيث شرح ألفية الحديث. ط1. بيروت: دار الكتب العلمية. 1: 326-327.

[101] الأحقاف: 9.

[102] انظر: الهيتمي، الفتاوى الحديثية. المرجع السابق. ص: 200.

[103] انظر: الهيتمي، الفتاوى الحديثية. المرجع السابق. ص: 109-110.

[104] يعني: حديث جابر بن عبد الله –-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- المذكور في كتاب “بلوغ المرام” لابن حجر العسقلاني. وهذا الحديث رواه ابن حبان في “صحيحه”. انظر: ابن حبان، أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ التميمي الدارمي البُستي. (1414هـ-1993م). صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان. شعيب الأرنؤوط (محقق). ط2. بيروت: مؤسسة الرسالة. 6: 169 حديث رقم: 2409.

[105] الصنعاني، محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني الكحلاني أبو إبراهيم عز الدين المعروف كأسلافه بالأمير (د.ت.). سبل السلام. (د.ط). القاهرة: دار الحديث. 1: 344-345.

[106] العرفج، مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة. المرجع السابق. ص: 96.

[107] الصنعاني، سبل السلام. المرجع السابق. 1: 402.

[108] العرفج، مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة. المرجع السابق. ص: 96.

[109] كاعَ يَكِيعُ ويَكاعُ كَيْعاً وكَيْعُوعةً فهو كائِعٌ وكاعٍ على القلب: جَبُنَ. والكاف والعين: أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على حَبسٍ واحتباس. يقال: رجلٌ كَعٌّ، وكاعٌّ، أي: جبانٌ. وقد أكَعَّه الفَرَق عن الأمر. قال ابن دريد: لا يقال: كاعَ، وإنْ كانت العامّة تقوله، إنما يقال: كَعَّ. والكَعُّ والكاعُّ الضعِيفُ العاجِز، وزنه فَعْلٌ. ورجل كعُّ الوجه رقِيقُه ورجل كُعْكُعٌ بالضم أَي جَبانٌ ضعيف وكَعَّ يَكِعُّ ويَكُعُّ والكسر أَجْوَدُ كَعاً وكُعُوعاً وكَعاعةً وكَيْعُوعةً فهو كَعٌّ وكاعٌّ. انظر: ابن فارس، مقاييس اللغة. المرجع السابق. 5: 105؛ ابن منظور، لسان العرب. المرجع السابق. 8: 312، 317.

[110] الشوكاني، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله اليمني. (1413هـ – 1993م). نيل الأوطار. عصام الدين الصبابطي (محقق). ط1. القاهرة: دار الحديث. 5: 122.

[111] أنكرت بعض الفرق المنحرفة كالشيعة جواز صلاة التراويح جماعة. انظر رسالة بعنوان “صلوة التراويح بين السنّة والبدعة” للكاتب الشيعي نجم الدين الطبسي.

[112] الشوكاني، نيل الأوطار. المرجع السابق. 2: 60-61.

[113] المرجع نفسه. 3: 313.

[114] القنوجي، صديق بن حسن. (1978م). أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم. عبد الجبار زكار (محقق). (د.ط.). بيروت: دار الكتب العلمية. 2: 538.

[115] العرفج، مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة. المرجع السابق. ص: 96.

[116] مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية. المرجع السابق. 8: 22.

[117] البخاري، صحيح البخاري. المرجع السابق. 3: 45 حديث رقم: 2010.

[118] البخاري، صحيح البخاري. المرجع السابق. 3: 2 حديث رقم: 1775.

[119] انظر: العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري. المرجع السابق. 3: 52. العينى، عمدة القاري شرح صحيح البخاري. المرجع السابق. 7: 236.

[120] المرجع السابق. 2: 337-339.

[121] العصري، البدعة الإضافية دراسة تأصيلية تطبيقية. المرجع السابق. ص: 103.

[122] حديث “من سن سنة…” سبق تخريجه ص: 8.

[123] النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي. (1392هـ). المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج. ط2. بيروت: دار إحياء التراث العربي. 7: 104.

[124] ابن عبد السلام. قواعد الأحكام في إصلاح الأنام. المرجع السابق. 2/337-339.

[125] ابن عبد السلام. قواعد الأحكام في إصلاح الأنام. المرجع السابق. 2/337-339.

[126] المائدة: 3.

[127] انظر: مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية. المرجع السابق. 8: 23-24.

[128] الأنعام: 153.

[129] حديث «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» سبق تخريجه ص: 14.

[130] حديث “من أحدث في أمرنا…” رواه البخاري ومسلم. انظر: البخاري، صحيح البخاري. المرجع السابق. 3: 184 حديث رقم: 2697. مسلم ابن الحجاج، صحيح مسلم. المرجع السابق. 3: 1343 حديث رقم: 1718.

[131] رواه الترمذي في سننه. انظر: الترمذي، سنن الترمذي. المرجع السابق. 1: 378 حديث رقم: 198.

[132] ابن رجب، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم. المرجع السابق. 2: 781.

[133] ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم. المرجع السابق. 2: 95.

[134] اليافعي، البدعة المحمودة والبدعة الإضافية. المرجع السابق. ص: 33.

[135] مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية. المرجع السابق. 8: 26.

[136] العرفج، مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة. المرجع السابق. ص: 69.

[137] المرجع نفسه.

[138] المرجع نفسه. ص: 70.

[139] المرجع نفسه.

[140] المرجع نفسه.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.