وكان يوماً في رمضان، وكان مجلسه قريباً من باب الدار، وكانت مائدة الإفطار قد أعدت، ودنا المغرب، فقرع الباب فقير يسأل ويقسم أن أهله في البيت صيام، وليس عندهم شيء يؤكل، فتلفت فلم يجد حوله أحداً من أهله، فتناول طبقاً وبعض الخبز، فوضعها جانباً، وقال له : احمل هذا كله. فحمله فذهب به، ودخل النساء فلم يجدن الطعام، فسخطن وصحن عليه، وتكلمن كلاماً شديداً، وهو صامت.
وضرب المدفع، وأذن المؤذن من جامع التوبة، فإذا الباب يقرع، وإذا بألوان الطعام من الحار والبارد، والحلو والحامض، تدخل عليه. وإذا القصة أن سعيد باشا شمدين، أحد كبار الوجهاء، كان قد دعا ضيوفاً فلم يحضروا، فأمر بحمل الطعام كله، إلى دار الشيخ، فقال أرأيتن مكافأة الصدقة؟
الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله ـ الذكريات ـ الجزء الأول