أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟

عن أبي رزين العقيلي لقيط بن عامر: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أين كان ربُّنا قبل أن يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قال: «كان في عَماءٍ، ما تحته هواءٌ، وما فوقه هواءٌ، وخلق عَرْشَه على الماءِ»

رواه الترمذي (٢٧٩ هـ)، في سننه رقم ٣١٠٩ وقال: حسن.

قَالَ الْقَاضِي: الْمُرَادُ بِالْعَمَاءِ مَا لَا تَقْبَلُهُ الْأَوْهَامُ وَلَا تُدْرِكُهُ الْعُقُولُ وَالْأَفْهَامُ، عَبَّرَ عَنْ عَدَمِ الْمَكَانِ بِمَا لَا يُدْرَكُ وَلَا يُتَوَهَّمُ، وَعَنْ عَدَمِ مَا يَحْوِيهِ وَيُحِيطُ بِهِ الْهَوَاءُ، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْخَلَاءُ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْجِسْمِ، لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى فَهْمِ السَّامِعِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَمَّا خُلِقَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ فَلَوْ كَانَ الْعَمَاءُ أَمْرًا مَوْجُودًا لَكَانَ مَخْلُوقًا، إِذْ مَا مِنْ شَيْءٍ سِوَاهُ إِلَّا وَهُوَ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ وَأَبْدَعَهُ، فَلَمْ يَكُنِ الْجَوَابُ طِبْقَ السُّؤَالِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْحَالِ.

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
– ج: ٩ – ص: ٣٦٦١ –

قال ابن فورك:

فَفِي هَذَا الْخَبَر إِنَّمَا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن الله

وَهَذَا أقرب من أَن يكون سؤالا عَن الْمَكَان على أَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عماء يحْتَمل أَن يكون فِي بِمَعْنى فَوق كَمَا قَالَ الله عز وَجل {فسيحوا فِي الأَرْض} أَي على الأَرْض وكما قيل فِي تَأْوِيل قَوْله {أأمنتم من فِي السَّمَاء} أَنه أَرَادَ من فَوْقهَا

وَقد رُوِيَ هَذَا الْخَبَر على وَجْهَيْن أَحدهمَا بِالْمدِّ وَهُوَ أَن يُقَال فِي عماء مَمْدُود والعماء فِي اللُّغَة هُوَ السَّحَاب الرَّقِيق وَرُوِيَ مَقْصُورا وَهُوَ أَن يُقَال فِي عَمَّا

فَإِذا رُوِيَ مَقْصُورا احْتمل أَن يكون الْمَعْنى أَنه كَانَ وَحده وَلم يكن سواهُ فَشبه الْعَدَم بالعمى توسعا لإستحالة أَن يرى مَا هُوَ عدم كَمَا يَسْتَحِيل أَن يرى بالعمى فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنه لم يكن شَيْء سواهُ وَلَا فَوق وَلَا تَحت وَلَا هَوَاء

فَإِذا قيل إِنَّه كَانَ فِي عماء بِالْمدِّ كَانَ سَبِيل تَأْوِيله على نَحْو مَا تأولنا عَلَيْهِ قَوْله جلّ وَعلا {أأمنتم من فِي السَّمَاء} وَذَلِكَ بِمَعْنى الْقَهْر وَالتَّدْبِير والمفارقة لَهُ بالنعت وَالصّفة دون التحيز فِي الْمَكَان وَالْمحل والجهة
وَإِذا احْتمل مَا قُلْنَا وَلم يكن اللَّفْظ مِمَّا يخص معنى وَاحِدًا كَانَ جملَة على مَا قُلْنَاهُ أولى لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى التَّشْبِيه والتعطيل وتحديد مَا لَا يجوز أَن يكون محدودا فاعلمه إِن شَاءَ الله تَعَالَى

مشكل الحديث وبيانه
– ج: ١ – ص: ١٦٩ –

قال الفخر الرازي:

قيل: العماء بالمد : الغيم الرقيق وأما العمى بالقصر فهو عبارة عن الحالة المضادة للبصر. وقال بعض العلماء يجب أن تكون الرواية الصحيحة هى الرواية بالقصر، وخينئذ تدل على نفي الجهة لأن الجهة إذا لم تكن موجودة لم تكن مرئية فأمكن جعل العمى عبارة عن عدم الجهة ، ويتأكد هذا بقوله عليه السلام : ليس تحته ماء ولا فوقه هواء. واعلم : أن هذه الوجوه التي ذكرناها بعضها ( قوي ، وبعضها ضعيف) وكيفما كان الأمر فقد ثبت أن فى القرآن والأخبار : دلائل كثيرة تدل على تنزيه الله تعالى عن الحيز والجهة وبالله التوفيق ” أهـ

[ أساس التقديس ص30-47 ] ،

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.