الاجتهاد أم التقليد؟

سؤال يطرح في منتديات وحوارات واجتماعات، مفاده: أيهما يختار الإنسان: الاجتهاد أم التقليد؟

فالجواب: الاجتهاد إنما يكون لمن توفرت فيه شروط الاجتهاد، وأما العامي الذي لا علم عنده، ولا قدرة له على الاجتهاد، فيجب عليه أن يسأل أهل العلم، ولا سيما من لا يعرف كيف يُخرج الأدلة، فليس له إلا التقليد. وليس له أن ينظر في الآية والحديث ثم يستنبط ما يشاء من أحكام، بل يجب عليه أن يقلد العلماء. فاجتهاد العامي إنما في تقليد من يرى أنه أقرب إلى الحق؛ لغزارة علمه، وقوة دينه وورعه (انظر: العثيمين، العلم، ص 115، 205. فتوى إسلام سؤال وجواب رقم 113687).

وأما مراعاة الدليل أو عدم مراعاته فليس من واجب المقلدين. قال أبو إسحاق الشاطبي في فتاويه (ص 119): «ومراعاة الدليل أو عدم مراعاته ليس إلينا معشر المقلدين، فحسبنا فهم أقوال العلماء والفتوى بالمشهور منها وليتنا ننجو مع ذلك رأسا برأس لا لنا ولا علينا».

وعلل بعضهم بأن كثيرا من الأحاديث النبوية التي بلغت الأئمة المجتهدين وصحت عندهم، قد لا تبلغنا إلا عن مجهول، أو بإسناد منقطع، أو لا تبلغنا بالكلية. قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (20/239): «الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير؛ لأن كثيرا مما بلغهم وصح عندهم قد لا يبلغنا إلا عن مجهول؛ أو بإسناد منقطع؛ أو لا يبلغنا بالكلية، فكانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين، وهذا أمر لا يشك فيه من علم القضية».

لذلك، صرح بعض العلماء بوجوب تقليد الأئمة المجتهدين وتحريم العدول عن قولهم، كما قال ابن عابدين في منحة الخالق على البحر الرائق (6/ 293): «وأما مثلنا فلا يجوز له العدول عن قول الإمام أصلا».

ومعلوم أن الناس في العلم على طبقات: أعلاها المجتهد المطلق، وهو من يستطيع الاجتهاد المطلق، بأن يأخذ من الكتاب والسنّة، ويستنبط من الكتاب والسنّة، ولا يقلِّد أحداً. ولكن هذا إنما يكون لمن توفّرتْ فيه شروط الاجتهاد المعروفة، بأن يكون عالماً بكتاب الله، وبسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون عالماً بلغة العرب التي نزل بها القرآن، وأن يكون عالماً بالمحكم والمتشابه، وبالناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيَّد، والخاص والعام، ويكون عنده معرفة بمدارك الاستنباط (انظر: صالح الفوزان، إعانة المستفيد، 2/112).

قال العلامة سيف بين علي العصري: «وليس مقصود ذكرها إلا أن يراجع الإنسان نفسه، ويحقق في دعاواه، ويلجم غروره. ومن وجد في نفسه الأهليه، وشهد له الشيوخ الحاذقون برسوخ القدم، وأنه قد حَصَّلَ من علوم الآلة وعلوم الغاية ما يمكنه من النظر والتحرير، والإبطال والتقرير، فما ننكر عليه، وفضل الله واسع مدرار، يرتشف منه الموفقون في جميع الأزمان والأعصار، ونحن طلاب العلم به فرحون. ونطلب ممن بلغ هذه الرتبة – إن سُلِّمَ له بها – أن لا يمنع الناس من الأخذ بقول السابقين الذين تتلمذ هو على كتبهم، أو يشنع عليهم، أو يبدعهم، فإنه إنما سلم له بأنه من العلماء، لا أنه الحاكم عليهم، فلا ينبغي أن يطمع في أن يترك الناس مذهب التابعين وأتباع التابعين من أمثال أبي حنفية ومالك والشافعي وأحمد لمذهب شخص جاء بعدهم بقرون متطاولة» (انظر: سيف علي العصري، 2013).

فالاجتهاد أم التقليد إنما يتبع حال كل إنسان، من مجتهد أو مقلد، ويختلف باختلاف أحوالهم. والله أعلم.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.