وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْكَلَامِ فِي أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ هَلْ هُوَ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ أَوْ لَا فَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ لَا يَكُونُ الْكَلَامُ إِلَّا بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ وَالْكَلَامُ الْمَنْسُوبُ إِلَى اللَّهِ قَائِمٌ بِالشَّجَرَةِ وَقَالَتِ الْأَشَاعِرَةُ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ وَأَثْبَتَتِ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَحَقِيقَتُهُ مَعْنًى قَائِمٌ بِالنَّفْسِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عَنْهُ الْعِبَارَةُ كَالْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ وَاخْتِلَافُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ هُوَ ذَلِكَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ وَأَثْبَتَتِ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ اللَّهَ مُتَكَلِّمٌ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ أَمَّا الْحُرُوفُ فَلِلتَّصْرِيحِ بِهَا فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَأَمَّا الصَّوْتُ فَمَنْ مَنَعَ قَالَ إِنَّ الصَّوْتَ هُوَ الْهَوَاءُ الْمُنْقَطِعُ الْمَسْمُوعُ مِنَ الْحَنْجَرَةِ وَأَجَابَ مَنْ أَثْبَتَهُ بِأَنَّ الصَّوْتَ الْمَوْصُوفَ بِذَلِكَ هُوَ الْمَعْهُودُ مِنَ الْآدَمِيِّينَ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَصِفَاتُ الرَّبِّ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ مَعَ اعْتِقَادِ التَّنْزِيهِ وَعَدَمِ التَّشْبِيهِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْحَنْجَرَةِ فَلَا يَلْزَمُ التَّشْبِيهَ وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ فَقَالَ لِي أَبِي بَلْ تَكَلَّمَ بِصَوْتٍ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُرْوَى كَمَا جَاءَتْ وَذَكَرَ حَدِيثَ بن مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ
فتح الباري لابن حجر، ١٣/ ٤٦٠