قال الإمام الحافظ الأشعري ابن عساكر رحمه الله عن الأشاعرة في كتابه المشهور (تبيين كذب المفتري)، قال:
“فَإِنَّهُم بِحَمْد اللَّه لَيْسُوا معتزلة وَلَا نفاة لصفات اللَّه معطلة لكِنهمْ يثبتون لَهُ سُبْحَانَهُ مَا أثْبته لنَفسِهِ من الصِّفَات ويصفونه بِمَا تصف بِهِ فِي مُحكم الْآيَات وَبِمَا وَصفه بِهِ نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيح الرِّوَايَات وينزهونه عَن سمات النَّقْص والآفات فَإِذا وجدوا من يَقُول بالتجسيم أَو التكييف من المجسمة والمشبهة ولقوا من يصفه بِصِفَات المحدثات من الْقَائِلين بالحدود والجهة فَحِينَئِذٍ يسلكون طَرِيق التَّأْوِيل ويثبتون تنزيهه بأوضح الدَّلِيل ويبالغون فِي إِثْبَات التَّقْدِيس لَهُ والتنزيه خوفًا من وُقُوع من لَا يعلم فِي ظلم التَّشْبِيه. فَإِذا أمنُوا من ذَلِك رَأَوْا أَن السُّكُوت أسلم وَترك الْخَوْض فِي التَّأْوِيل إِلَّا عِنْد الْحَاجة أحزم. وَمَا مثالهم فِي ذَلِك إِلَّا مثل الطَّبِيب الحاذق الَّذِي يداوي كل دَاء من الأدواء بالدواء الْمُوَافق فَإِذا تحقق غَلَبَة الْبُرُودَة على الْمَرِيض داواه بالأدوية الحارة ويعالجه بالأدوية الْبَارِدَة عِنْد تيقنه مِنْهُ بِغَلَبَة الْحَرَارَة وَمَا هَذَا فِي ضرب الْمِثَال إِلَّا كَمَا رُوِيَ عَن سُفْيَان إِذَا كنت بِالشَّام فَحدث بفضائل عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذا كنت بِالْكُوفَةِ فَحدث بفضائل عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا مِثَال المتأول بِالدَّلِيلِ الْوَاضِح إِلَّا مِثَال الرجل السابح فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى السباحة مَا دَامَ فِي البرفان اتّفق لَهُ فِي بعض الْأَحَايِين ركُوب الْبَحْر وعاين هُوَ لَهُ عِنْد ارتجاجه وَشَاهد مِنْهُ تلاطم أمواجه وعصفت بِهِ الرّيح حَتَّى انْكَسَرَ الْفلك وأحاط بِهِ إِن لم يسْتَعْمل السباحة الهلك فَحِينَئِذٍ يسبح بِجهْدِهِ طلبا للنجاة وَلَا يلْحقهُ فِيهَا تَقْصِير حبا للحياة فَكَذَلِك الموحد مَا دَامَ سالكا محجة التَّنْزِيه آمنا فِي عقده من ركُوب لجة التَّشْبِيه فَهُوَ غير مُحْتَاج إِلَى الْخَوْض فِي التَّأْوِيل لِسَلَامَةِ عقيدته من الشّبَه والأباطيل فَأَما إِذَا تكدر صفاء عقده بكدورة التكييف والتمثيل فَلَا بُد من تصفية قلبه من الكدر بمصفاة التَّأْوِيل وترويق ذهنه براووق الدَّلِيل لتسليم عقيدته من التَّشْبِيه والتعطيل.” انتهى.