قال الجاهل:
إنَّ قول بعض أئمة الأشاعرة كالإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني (مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم)
يدل على أن الأشاعرة يحتقرون السلف، ويتهمونهم بالجهل
وسأعود لبيان المقصود بالعبارة التي قالها من قالها من العلماء، ولكن قبل ذلك أنبه إلى أن هذا الجاهل لم يعلم أن (أعلم) صيغة مفاضلة، وصيغة المفاضلة تكون في حق من اشتركوا في صفة، فنقول: فلان كريم وفلان أكرم، وفلان عالم وفلان أعلم، ولا نقول فلان جاهل وفلان أعلم، وفلان بخيل وفلان أكرم
فيا أيها الجاهل: (أعلم) يقابلها (عالم)، ولا يقابلها (جاهل)، هذا أولاً.
ثانياً:
قولهم (مذهب السلف أسلم)
مراد من قال هذه العبارة أنّ نصوص الصفات تحتمل أكثر من معنى في لغة العرب، والجزم بواحد منها ترجيح بالظن، فكان السكوت أسلم، فوصف السلامة متوجه إلى المسلك والمذهب والطريقة التي اختارها السلف.
ثالثاً:
قولهم (مذهب الخلف أعلم)
مرادهم ومقصودهم أنَّ عهد الخلف هو عهد ظهور البدع الكلامية، كالمعتزلة والجهمية والمعطلة، والسكوت في وجه البدع لا يصلح، فقام الخلف بتقنيين ما تلقوه عن السلف، وأخرجوا ذلك في قوالب علمية منطقية، وحجج عقلية مقنعة، مفحمة لأهل المذاهب المنحرفة.
إذاً فالمراد أن طريقة الخلف تضع بين يديك ردوداً تفصيلية، وقانوناً تفحم به أهل البدع.
إذاً:
الوصف بـ (أسلم) و (أعلم) ليس وصفا للسلف والخلف، بل وصفٌ لطريقة السلف ولطريقة الخلف، وهذا مقصودٌ صحيح.
وانظر أيها العاقل إلى ما قاله شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في فتح الباري: (وإنما قال من قال إنَّ مذهب الخلف أحكم بالنسبة إلى الرد على من لم يثبت النبوة، فيحتاج من يريد رجوعه إلى الحق أن يقيم عليه الأدلة، إلى أن يذعن فيسلم، أو يعاند فيهلك، بخلاف المؤمن فإنه لا يحتاج في أصل إيمانه إلى ذلك).
فتأمل قوله: [أحكم بالنسبة إلى الرد] تجد فيها توضيحا للمقصود بالعبارة لا كما فهمها هذا الجهل وأهل طريقته من السابقين له في الجهل.
وأعلم أنَّ بعض الناس لا يقنع بكلام الإمام ابن حجر … حسناً:
انظر ما قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/8):
(ولا يجوز أيضاً أن يكون الخالفون أعلم من السالفين، كما قد يقوله بعض الأغبياء، ممن لم يَقْدُر قدْرَ السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها، من أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم، وإن كانت هذه العبارة إذا صدرت من بعض العلماء قد يعني بها معنى صحيحاً).
فتأمل قوله:
[وإن كانت هذه العبارة إذا صدرت من بعض العلماء قد يعني بها معنى صحيحاً]
من هم العلماء الذين قالوا هذه العبارة، وما هو المعنى الصحيح الذي قصده إلا ما سبق أنْ وضَّحْنَاه لك أيها القارئ الكريم.
وأما المعنى الذي قاله هذا الجاهل فقد نفاه الأشاعرة أنفسهم، فانظر إلى ما قاله العلامة العطار في حاشيته على شرح جلال الدين المحلي لجمع الجوامع عند قول الجلال المحلي: ( والتأويل مذهب الخلف وهو أعلم أي أحوج إلى مزيد علم ).
قال العطار معلقاً: ( “قوله: أي أحوج” وليس المراد أن الخلف أعلم من السلف).
قال العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: (وقد وقع هذان الوصفان [أي: وصف طريقة السلف بأنها أسلم، وطريقة الخلف بأنها أعلم] في كلام المفسرين وعلماء الأصول، ولم أقف على تعيين أول من صدر عنه … والموصوف بأسلم وبأعلم الطريقة لا أهلها؛ فإن أهل الطريقتين من أئمة العلم وممن سلموا في دينهم من الفتن).
فتأمل قوله: [والموصوف بأسلم وبأعلم الطريقة لا أهلها].
والجاهل من لم يفهم، ويتهم أئمة الدين بجهل.
ــــــــــــــ
سيف العصري