هناك أمور أحدثها الصحابة بعد وفاة الرسول ﷺ منها جمع القرآن في مصحف كما أحدثه أبو بكر الصديق وجمع الناس على صلاة التراويح كما أحدثه عمر بن الخطاب وزيادة الأذان الثالث لصلاة الجمعة كما أحدثه عثمان بن عفان وغيرها وكلها خير ولم يفعلها الرسول ﷺ.
كما أن هناك أمورا من الخير أحدثها التابعون ومن بعدهم. وما أحدثه المتأخرون أكثر مما أحدثه المتقدمون. فليس كل خير فعله السلف وإن كان كل ما فعله السلف أو أكثرها خيرا.
فلا يصح أن يقال: فلو كانت هذه الأمور خيرا لسبقهم الرسول ﷺ إليها. كما لا يصح أن يقال: فلو كانت خيرا لسبقنا السلف إليها. لأنه كما قلنا آنفا: ليس كل خير فعله الرسول ﷺ أو السلف ولكن كل ما فعله الرسول ﷺ خيرا وكل ما فعله السلف أو أغلبه خيرا.
هذا دليل على بطلان دعوى ابن كثير رحمه الله بأن أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَقُولُونَ فِي كُلِّ فِعْلٍ وَقَوْلٍ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ الصَّحَابَةِ: هُوَ بِدْعَةٌ مذمومة وفساد استدلاله بأنه لَوْ كَانَ خَيْرًا لسبقونا إليه، لأنهم لَمْ يَتْرُكُوا خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ إِلَّا وَقَدْ بَادَرُوا إِلَيْهَا. كما ذكره في تفسيره في سورة الاحقاف.
والصحيح ما قاله الشافعي رحمه الله: المحدثات من الأمور ضربان… الخ. وما قاله ابن عبد السلام رحمه الله: الْبِدْعَةُ فِعْلُ مَا لَمْ يُعْهَدْ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهِيَ مُنْقَسِمَةٌ إلَى: بِدْعَةٌ وَاجِبَةٌ، وَبِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَبِدْعَةٌ مَنْدُوبَةٌ، وَبِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، وَبِدْعَةٌ مُبَاحَةٌ.
وكان الحافظ المزي رحمه الله يقول:
“كل ما قاله الرسول ﷺ حسنا وليس كل حسن قاله الرسول ﷺ”