شرح حديث إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ

روى أبو داود في سننه:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ، فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ، فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ “، ثُمَّ قَالَ: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إِلَى قَوْلِهِ {فَاسِقُونَ} [المائدة: 81]، ثُمَّ قَالَ: «كَلَّا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا»

قال الخطابي في معالم السنن:

قوله لتأطرنه معناه لتردنه عن الجور ، وأصل الأطر العطف أو الثني ومنه تأطر العصي وهو تثنيه

وفي عون المعبود شرح سنن أبي داود:

(فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ) أَيْ مَا رَآهُ مِنْ ذَلِكَ أَمْسَ (أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ) أَيْ من أن يكون أكيله وشربيه وَقَعِيدَهُ وَالْكُلُّ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ هُوَ مَنْ يُصَاحِبُكَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْقُعُودِ (ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ) يُقَالُ ضَرَبَ اللَّبَنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ أَيْ خَلَطَهُ

ذَكَرَهُ الرَّاغِبُ وقال بن الْمَلَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ سَوَّدَ اللَّهُ قَلْبَ مَنْ لَمْ يَعْصِ بِشُؤْمِ مَنْ عَصَى فَصَارَتْ قُلُوبُ جَمِيعِهِمْ قَاسِيَةً بَعِيدَةً عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ أَوِ الرَّحْمَةِ بِسَبَبِ الْمَعَاصِي ومخالطة بعضهم بعضا انتهى

قال القارئ وَقَوْلُهُ قَلْبَ مَنْ لَمْ يَعْصِ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ لِأَنَّ مُؤَاكَلَتَهُمْ وَمُشَارَبَتَهُمْ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ وَإِلْجَاءٍ بَعْدَ عَدَمِ انْتِهَائِهِمْ عَنْ مَعَاصِيهِمْ مَعْصِيَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْبُغْضِ فِي اللَّهِ أَنْ يَبْعُدُوا عَنْهُمْ وَيُهَاجِرُوهُمُ انْتَهَى قُلْتُ مَا قَالَ القارىء حَقٌّ صُرَاحٌ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَخْ) هَذِهِ الْآيَةُ فِي آخِرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ (ثُمَّ قَالَ) أي النبي (بِالْمَعْرُوفِ) الْمَعْرُوفُ مَا عُرِفَ فِي الشَّرْعِ يَعْنِي أَمْرَ مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ يَعْرِفُونَهُ وَلَا يُنْكِرُونَهُ إِذَا رَأَوْهُ وَالْمُنْكَرُ أَمْرٌ لَا يُعْرَفُ فِي الشَّرْعِ بَلْ مُنْكَرٌ يُنْكِرُهُ مَنْ رَآهُ كَالشَّخْصِ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ وَيُنْكِرُونَهُ إِذَا رَأَوْهُ (وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ لَتَرُدُّنَّهُ عَلَى الْحَقِّ وَأَصْلُ الْأَطْرِ الْعَطْفُ وَالتَّثَنِّي

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَتَأْطُرُوهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا تَعْطِفُوهُ عَلَيْهِ (وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا) أَيْ لَتَحْبِسُنَّهُ عَلَيْهِ وَتُلْزِمُنَّهُ إِيَّاهُ كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ

وَفِي النِّهَايَةِ يُقَالُ قَصَرْتُ نَفْسِي عَلَى الشَّيْءِ إِذَا حَبَسْتُهَا عَلَيْهِ وَأَلْزَمْتُهَا إِيَّاهُ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ وَلَيَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ مرسلا

وأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا مُرْسَلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.