جاء في كتاب “بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية” – (ج 3 / ص 175 -176 ):
( وَالتَّكَبُّرُ حَرَامٌ ) عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ عَظِيمُ الْآفَاتِ وَمَنْبَعُ أَكْثَرِ الْبَلِيَّاتِ وَمُوجِبُ سُرْعَةِ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِقُّ إلَّا لَهُ تَعَالَى فَإِذَا فَعَلَ الْعَبْدُ مَا يَخْتَصُّ بِالْمَوْلَى اشْتَدَّ غَضَبُ الْمَوْلَى ( إلَّا عَلَى الْمُتَكَبِّرِ ) مِنْ النَّاسِ فَالتَّوَاضُعُ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ لَيْسَ بِجَائِزٍ .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ : عَنْ الْغَيْرِ إذَا أَغْضَبَك أَحَدٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَلَا تَبْتَدِئْهُ بِالصُّلْحِ ؛ لِأَنَّك تُذِلُّ نَفْسَك فِي غَيْرِ مَحَلٍّ وَتُكْبِرُ نَفْسَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ الْإِفْرَاطُ فِي التَّوَاضُعِ يُورِثُ الْمَذَلَّةَ ، وَالْإِفْرَاطُ فِي الْمُؤَانَسَةِ يُورِثُ الْمَهَانَةَ وَإِذَا اُتُّفِقَ أَنْ يُقَامَ الْعَبْدُ فِي مَوْطِنٍ فَالْأَوْلَى فِيهِ ظُهُورُ عِزَّةِ الْإِيمَانِ وَجَبَرُوتِهِ وَعَظَمَتِهِ لِعِزِّ الْمُؤْمِنِ وَعَظَمَتِهِ وَأَنْ يَظْهَرَ فِي الْمُؤْمِنِ مِنْ الْأَنَفَةِ وَالْجَبَرُوتِ مَا يُنَاقِضُ الْخُضُوعَ وَالذِّلَّةَ فَالْأَوْلَى إظْهَارُ مَا يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الْمَوْطِنُ فَهَذَا مِنْ بَابِ إظْهَارِ عِزَّةِ الْإِيمَانِ بِعِزَّةِ الْمُؤْمِنِ( فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِيهِ أَنَّهُ صَدَقَةٌ ) عَلَى مَنْ تَكَبَّرَ عَلَيْهِ كَمَا وَرَدَ : التَّكَبُّرُ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ صَدَقَةٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَاضَعْت لَهُ تَمَادَى فِي ضَلَالِهِ وَإِذَا تَكَبَّرْت عَلَيْهِ تَنَبَّهَ .
وَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ تَكَبَّرْ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ التَّجَبُّرُ عَلَى أَبْنَاءِ الدُّنْيَا أَوْثَقُ عُرَى الْإِسْلَامِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَظْلَمُ الظَّالِمِينَ مَنْ تَوَاضَعَ لِمَنْ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ وَقِيلَ قَدْ يَكُونُ التَّكَبُّرُ لِتَنْبِيهِ الْمُتَكَبِّرِ لَا لِرِفْعَةِ النَّفْسِ فَيَكُونُ مَحْمُودًا كَالتَّكَبُّرِ عَلَى الْجُهَلَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ .
قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ : التَّكَبُّرُ عَلَى مَنْ تَكَبَّرَ عَلَيْك بِمَالِهِ تَوَاضُعٌ…)
في غذاء الألباب للسفاريني الحنبلي- رحمه الله –[2/232]،مانصه:
مَطْلَبٌ : التَّوَاضُعُ لِغَنِيٍّ لِأَجْلِ غِنَاهُ مَذْمُومٌ .
( الثَّانِيَةُ ) مِنْ التَّوَاضُعِ الْمَذْمُومِ تَوَاضُعُك لِغَنِيٍّ لِأَجْلِ غِنَاهُ .
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ تَوَاضَعَ لِغَنِيٍّ لِأَجْلِ غِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ } .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ خَضَعَ لِغَنِيٍّ وَوَضَعَ لَهُ نَفْسَهُ إعْظَامًا وَطَمَعًا فِيمَا قِبَلَهُ ذَهَبَ ثُلُثَا مُرُوءَتِهِ وَشَطْرُ دِينِهِ .
وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ طُرُقٍ وَاهِيَةٍ حَتَّى ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَكُلُّ مَا يُرْوَى بِمَعْنَى ذَلِكَ فَهُوَ وَاهٍ .
قَالَهُ فِي التَّمْيِيزِ .
وَفِي الزُّهْدِ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : وَجَدْت فِي التَّوْرَاةِ أَرْبَعَةَ أَسْطُرٍ مُتَوَالِيَاتٍ إحْدَاهُنَّ مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَظَنَّ أَنْ لَنْ يَغْفِرَ لَهُ فَهُوَ مِنْ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ .
الثَّانِيَةُ : وَمَنْ شَكَا مُصِيبَتَهُ فَإِنَّمَا شَكَا رَبَّهُ .
الثَّالِثَةُ : مَنْ حَزِنَ عَلَى مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ فَقَدْ سَخِطَ قَضَاءَ رَبِّهِ .
وَالرَّابِعَةُ : مَنْ تَضَعْضَعَ لِغَنِيٍّ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ – رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ – : التَّكَبُّرُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ تَوَاضُعٌ .
وَقَالَ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ : أَظْلَمُ النَّاسِ لِنَفْسِهِ مَنْ تَوَاضَعَ لِمَنْ لَا يُكْرِمُهُ .
وفي محاضرات الأدباء للراغب،[1/325]:
سئل الحسن ! عن التواضع ؟ فقال: هو التكبر على الأغنياء
وأتى سليمان بن عبد الملك طاووساً فلم يكلمه فقيل له في ذلك فقال: أردت أن يعلم أن في عباد الله من يستصغر ما يستعظم ذلك من نفسه. أنشد المبرد:
إذا تاه الصديق عليك كبراً … فته كبراً على ذاك الصديق
فإيجاب الحقوق لغير راعٍ … حقوقك رأس تضييع الحقوق
وعلى هذا قال بعضهم: ما تكبر على أحد قط إلا تحول داؤه في أن قابلته بفعله.