#التوحيد_أولا …
قال ابن تيمية رحمه الله في المستدرك على مجموع الفتاوى (1/ 22):
(الأمور المبتدعة عند القبور مراتب: …. [ذكر الأولى والثانية والثالثة ثم قال]: الرابعة: أن يظن أن الدعاء عند قبره مستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد؛ فيقصد زيارته والصلاة عنده لأجل طلب حوائجه، فهذا أيضا من المنكرات المبتدعة باتفاق المسلمين، وهي محرمة، وما علمت في ذلك نزاعا بين أئمة المسلمين، وإن كان كثير من المتأخرين يفعل ذلك، ويقول بعضهم: قبر فلان ترياق مجرب). انتهى كلام ابن تيمية.
[قال الشيخ سيف العصري:]
وسؤالي هو عن قوله (فهذا أيضا من المنكرات المبتدعة باتفاق المسلمين، وهي محرمة)، من هم المسلمون الذين اتفقوا على ذلك ؟؟!!
من هم المسلمون الذين اتفقوا على حرمة ذلك؟
[دعاء الإمام الشافعي عند قبر الإمام أبي حنيفة]
والشافعي وهو من كبار أئمة السلف يدعو الله وحده عند قبر أبي حنيفة، يذكر لنا الإمام الحافظ البغدادي في تاريخ بغداد (1/ 445) قال: (أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْد الله الحسين بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد الصيمري، قَالَ: أَخبرنا عُمَر بْن إِبْرَاهِيمَ المقرئ، قَالَ: حَدَّثَنَا مكرم بْن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَر بْن إسحاق بْن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن ميمون، قَالَ: سمعت الشافعي، يقول: إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إِلَى قبره في كل يوم، يَعْنِي زائرا، فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين، وجئت إِلَى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد عني حتى تقضى).
فلو كانت بدعة محرمة باتفاق المسلمين فهل كان الشافعي ليفعلها، وإذا كان في الإسناد مقالا فهل كان الحافظ البغدادي ينسب إلى إمامه الشافعي هذه البدعة المحرمة باتفاق المسلمين؟!
[إبراهيم الحربي]
الإمام المحدث الفقيه شيخ الإسلام إبراهيم الحربي تلميذ الإمام أحمد بن حنبل يقول عن قبر معروف الكرخي “قبر معروف الترياق المجرب”، وكلمة إبراهيم الحربي أوردها جماهير من الأئمة إقرارا وإمرارا دون نكير، عدد كبير من الحفاظ والفقهاء، فمن هم المسلمون الذين اتفقوا على كون الدعاء عند القبر بدعة محرمة، وقد ذكرت من ذكر كلمة معروف في منشور سابق أضع رابطه في أول تعليق.
[محمد بن إسحاق بن خزيمة]
إمام الأئمة الحافظ الكبير شيخ الإسلام محمد بن إسحاق بن خزيمة يأتي قبر علي بن موسى الرضا ويتضرع عنده، وقد ذكرت المرجع في منشور سابق أضع رابطه في أول تعليق.
[ابن حبان]
الإمام الكبير والحافظ المحدث ابن حبان يأتي مرارا كما يذكر هو عن نفسه وفي كتابه إلى قبر علي بن موسى الرضا ويدعو عنده، والتوثيق في منشور سابق أضع رابطه في أول تعليق.
أين هي النصوص المنقولة عن الصحابة أو التابعين أو تابعيهم أو حتى الأئمة المتبوعين أو تلاميذهم التي تنقل الإجماع أو تنص على حرمة الدعاء عند قبور الصالحين، وأن ذلك كما قال ابن تيمية بدعة محرمة باتفاق المسلمين.
[نصوص العلماء من المذاهب الأربعة]
ونصوص العلماء من المذاهب الأربعة في مسألة التبرك بالصالحين وآثارهم كثيرة جداً، ومن أراد الاطلاع عليها فليراجع كتاب الشيخ عبد الفتاح قديش اليافعي، وأقتصر على بعض النصوص.
●قال الإمام الحافظ الكبير أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (8/ 129) في شرح حديث وجع النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه قول عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: (فلما اشتد وجعه، كنت أنا أقرأ عليه، وأمسح عليه بيمينه رجاء بركتها)
●قال الحافظ ابن عبد البر: (وفيه التبرك بأيمان الصالحين قياسا على ما صنعت عائشة بيد النبي صلى الله عليه وسلم).
●وقال الحافظ ابن عبد البر أيضاً في التمهيد (13/ 67): (وفي (هذا) الحديث دليل على التبرك بمواضع الأنبياء والصالحين ومقاماتهم ومساكنهم وإلى هذا قصد عبد الله بن عمر بحديثه هذا والله أعلم).
●وقال الإمام المحدث الفقيه شيخ الإسلام النووي في المجموع وهو يتحدث عن عيادة المريض: (أما أقارب المريض وأصدقاؤه ونحوهم ممن يأتنس بهم أو يتبرك بهم أو يشق عليهم إذا لم يروه كل يوم فليواصلوها ما لم ينه أو يعلم كراهة المريض لذلك).
●وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: (ومنها حمل المولود عند ولادته إلى واحد من أهل الصلاح والفضل يحنكه بتمرة ليكون أول مايدخل فى جوفة ريق الصالحين فيتبرك به).
●وقال الإمام الحافظ المحدث الفقيه سراج الدين ابن الملقن في شرح صحيح البخاري المسمى التوضيح لشرح الجامع الصحيح (4/ 412): (وفي الحديث أيضًا: التبرك بأهل الصلاح والخير وإحضار الصبيان لهم، وسواء فيه وقت الولادة وبعدها).
●وقال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في شرحه لصحيح الإمام البخاري المسمى عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 140): (وفيه: استحباب تحنيك المولود وحمله إلى أهل الصلاح ليكون أول ما يدخل جوفه ريق الصالحين).
●وقال الإمام الحافظ الفقيه أمير المؤمنين في الحديث ابن حجر العسقلاني في شرح صحيح البخاري المسمى فتح الباري (1/ 327): (وتحنيك المولود والتبرك بأهل الفضل وحمل الأطفال إليهم حال الولادة وبعدها).
●وقال الحافظ ابن حجر أيضاً (1/ 569): (وقد تقدم حديث عتبان وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته ليتخذه مصلى وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين).
●وقال الإمام الفقيه إمام الحنابلة في عصره ابن قدامة المقدسي في المغني (1/20) : (وأذكر لكل إمام ما ذهب إليه، تبركا بهم، وتعريفا لمذاهبهم).
●وقال الإمام علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي في الإنصاف (8/324): (ويستحب للضيف أن يفضل شيئا، ولا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته، أو كان ثم حاجة). ومعنى قوله: (أن يُفضل) أي يبقي بقية من الطعام.
●وقال العلامة مصطفى الرحيباني الحنبلي في مطالب أولي النهى (1/906): (ويستحب الدفن في البقاع الشريفة لحديث أبي هريرة مرفوعا أن موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – لما حضره الموت سأل ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر. وقال عمر: “اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك” متفق عليهما، ومجاورة الصالحين لتناله بركتهم).
والنصوص في ذلك عن علماء أهل السنة من المذاهب الأربعة كثيرة جداً.
وعليه فالذي يملك جواباً يوضح لي من هم المسلمون الذين اتفقوا على أن (دعاء الله وحده) عند قبور الصالحين بدعة محرمة فليتفضل بالجواب بكلام محترم ولا أقبل الإساءة لأحد (نتناقش علمياً ضمن حدود أدب الإسلام).