بقلم: الشيخ أحمد القصص
أرسل إلي بعض الإخوة السؤال التالي، أنشره مع إجابتي عليه تعميما للفائدة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
سؤالنا عن خبر الآحاد وعدم أخذه كحجة في العقائد، فالبعض كفر من لم يأخذ به في العقيدة… فأنت تعلم سيدي أن الإيمان بالرسل من أركان الدين، وإذا قمنا برد أحاديث لها علاقة بالعقيدة دون يقين وحجة مقنعة نبرأ بها أمام الله فقد خسرنا خسرانا كبيرا. ولقد قرأنا أقوالا كثيرة لعلماء مسلمين بعدم جواز الأخذ بخبر الآحاد كحجة في العقائد، ولكن ما يزال لدينا شك. وما الفرق بين التصديق والإيمان؟ وما معنى أن أصدق بخبر الآحاد ولا آخذ به؟
وجزاك الله خيرا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
واضح أن ثمة التباسا لديكم في المسألة إذ قلتم في سؤالكم: ما معنى أن أصدق بخبر الآحاد ولا آخذ به؟
وإليكم الجواب:
إن خبر الآحاد إن وصل إلينا بسند صحيح وتوافرت فيه شروط الخبر الصحيح يعد خبرا صحيحا بغلبة الظن ويجب قبوله وتصديقه والعمل به، ويأثم من لا يأخذ به تصديقا وعملا، سواء تضمن أخبارا أو تضمن أوامر ونواهي وتخييرات. فلا يصح القول: (إن هذا خبر آحاد تضمن أحكاما عملية فآخذ به وأعمل به، أما ذاك فخبر آحاد تضمن أخبارا تابعة للعقائد فلا آخذ به لأن العقائد لا تؤخذ إلا عن يقين)، هذا القول خطأ ومخالف للشرع، بل نصدق ما فيه، ولكنه لا يعد اعتقادا، أي ليس تصديقا جازما، لأن الخبر ليس قطعيا.
والسبب في عدم تصنيفه قطعيا هو أنه وصل إلينا من طريق آحاد، أي نقله إلينا واحد عن واحد عن واحد… عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الآحاد ليسوا معصومين، وإنما يغلب على ظننا أنهم ثقات، أي عدول وضوابط، ولا نجزم بهذا. وكم من الرواة اختلف علماء الجرح والتعديل في عدالتهم أو في ضبطهم، وبالتالي كم من أخبار الآحاد اختلفوا في تصحيحها أو تضعيفها، واتفقوا بالطبع على صحة كثير من أخبار الآحاد بغلبة الظن. لذا فإن خبر الآحاد هو ظني وليس قطعيا، فيجب تصديقه والعمل به وإن لم نقطع به فلم نتخذه عقيدة.
وعليه فإن الأمر لا يتعلق بالإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وتصديق كل ما جاء به من عند الله تعالى، وإنما يتعلق بالنظر في أحوال الرواة الذين رووا عنه صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين… علما أن الصحابة هم جميعا عدول، ولكنهم بكل تأكيد غير معصومين. لذا فإن من سمع من النبي مباشرة من أمور الدين في زمانه عليه الصلاة والسلام يكون ما سمعه عقيدة في حقه، فإن أنكره كان كافرا، لأنه خبر نبي معصوم أخبر به بوحي الله تعالى، {وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى}.
وعليه فإنه لا يجوز رد أحاديث عذاب القبر ولا أحاديث المسيح الدجال ولا أي حديث صح سنده، ويجب التصديق بعذاب القبر وبظهور المسيح الدجال وبنزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام… ومن أنكر هذه الأخبار أو قال لست ملزما التصديق بها كان آثما، ولكنه لا يكفر، لأنه لم ينكر ما ثبت بالدليل القطعي.
وتتمة للجواب:
فإن الإيمان هو “التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل”، أما التصديق غير الجازم، أي التصديق بغلبة الظن، فإنه لا يسمى إيمانا ولا اعتقادا. وقد أوجب الإسلام أن يكون الإيمان الذي هو شرط لاعتناق الإسلام، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، تصديقا جازما، ولا يكون إيمانا إن لم يكن جازما. ولا شك أن الأدلة على أركان الإيمان هذه والتي يتوقف عليها دخول الإسلام هي أدلة قطعية تفضي إلى التصديق الجازم.