عن ذي النون المصري قال: كنت في الطواف فسمعت صوتاً حزيناً وإذا بجارية متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول:
أنت تدري يا حبيبي … من حبيبي أنت تدري
ونحول الجسم والدمع … يبوحان بسري
يا عزيزي قد كتمت الحب … حتى ضاق صدري
قال ذو النون: فشجاني ما سمعت حتى انتحبت وبكيت.
ثم قالت: إلهي وسيدي ومولاي، بحبك لي إلا ما غفرت لي.
قال: فتعاظمني ذلك
وقلت: يا جارية أما يكفيك أن تقولي: بحبي لك، حتى تقولي بحبك لي؟
فقالت: إليك عني يا ذا النون، أما علمت أن لله عز وجل قوماً يحبهم قبل أن يحبوه؟ أما سمعت الله عز وجل يقول: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} المائدة: 54. فسبقت محبته لهم قبل محبتهم له؟
فقلت: من أين علمت أني ذو النون؟
فقالت: يا بطال جالت القلوب في ميدان الأسرار فعرفتك.
ثم قالت: انظر من خلفك. فأدرت وجهي، فلا أدري السماء اقتلعتها أم الأرض ابتلعتها.
صفة الصفوة لابن الجوزي