عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ:
خَرَجَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ رَفِيقٌ لَهُ حَتَّى نَزَلُوا بِالْأَبْوَاءِ فَقَامَ رَفِيقُهُ فَأَخَذَ السُّفْرَةَ وَانْطَلَقَ إِلَى السُّوقِ يَبْتَاعُ لَهُمْ وَقَعَدَ سُلَيْمَانُ فِي الْخَيْمَةِ وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ وَجْهًا وَأَرْوَعِ النَّاسِ
فَبَصُرَتْ بِهِ أَعْرَابِيَّةٌ مِنْ قُلَّةِ الْجَبَلِ وَهِيَ فِي خَيْمَتِهَا فَلَمَّا رَأَتْ حُسْنَهُ وَجَمَالَهُ انْحَدَرَتْ وَعَلَيْهَا الْبُرْقُعُ وَالْقُفَّازَانِ فَجَاءَتْ فَوَقَعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَسْفَرَتْ عَنْ وَجْهٍ لَهَا كَأَنَّهُ فِلْقَةُ قَمَرٍ
فَقَالَتْ: أَهَبْتَنِي؟
فَظَنَّ أَنَّهَا تُرِيدُ طَعَامًا فَقَامَ إِلَى فَضْلِ السُّفْرَةِ لِيُعْطِيَهَا،
فَقَالَتْ: لَسْتُ أُرِيدُ هَذَا، إِنَّمَا أُرِيدُ مَا يَكُونُ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى أَهْلِهِ،
فَقَالَ: «جَهَّزَكِ إِلَيَّ إِبْلِيسُ»
ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ بَيْنَ كُمَّيْهِ فَأَخَذَ فِي النَّحِيبِ فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي
فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ سَدَلَتِ الْبُرْقُعَ عَلَى وَجْهِهَا وَرَفَعَتْ رِجْلَيْهَا بِأَكْوَابٍ حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى خَيْمَتِهَا،
فَجَاءَ رَفِيقُهُ وَقَدِ ابْتَاعَ لَهُمْ مَا يَرْفُقُهُمْ فَلَمَّا رَآهُ وَقَدِ انْتَفَخَتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْبُكَاءِ وَانْقَطَعَ حَلْقُهُ قَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟
قَالَ: «خَيْرٌ ذَكَرْتُ صِبْيَتِي»
قَالَ: لَا، إِنَّ لَكَ قِصَّةً، إِنَّمَا عَهْدُكَ بِصِبْيَتِكَ مُنْذُ ثَلَاثٍ أَوْ نَحْوِهَا،
فَلَمْ يَزَلْ بِهِ رَفِيقُهُ حَتَّى أَخْبَرَهُ بِشَأْنِ الْأَعْرَابِيَّةِ، فَوَضَعَ السُّفْرَةَ وَجَعَلَ يَبْكِي بُكَاءً شَدِيدًا،
فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: «أَنْتَ مَا يُبْكِيكَ؟»
قَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِالْبُكَاءِ مِنْكَ،
قَالَ: «فَلِمَ؟»
قَالَ: لِأَنِّي أَخْشَى لَوْ كُنْتُ مَكَانَكَ لَمَا صَبَرْتُ عَنْهَا،
قَالَ: فَمَا زَالَا يَبْكِيَانِ
قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَى سُلَيْمَانُ إِلَى مَكَّةَ وَطَافَ وَسَعَى أَتَى الْحِجْرَ وَاحْتَبَى بِثَوْبِهِ فَنَعَسَ فَإِذَا رَجُلٌ وَسِيمٌ جَمِيلٌ طُوَالٌ شَرْجَبٌ لَهُ شَارَةٌ حَسَنَةٌ وَرَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: «مَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللهُ؟»
قَالَ: أَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ
قَالَ: يوسُفُ الصِّدِّيقُ؟
قَالَ: نَعَمْ
قُلْتُ: «إِنَّ فِي شَأْنِكَ وَشَأْنِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ لَشَأْنًا عَجِيبًا»
فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: شَأْنُكَ وَشَأْنُ صَاحِبَةِ الْأَبْوَاءِ أَعْجَبُ
(“حلية الأولياء” لأبي نعيم الأصبهاني ٢/١٩١-١٩٢)